للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويضاف إلى العبد؛ إذ هو محله وقابله، فيضاف إلى الفاعل والقابل، ولهذا النور فاعل وقابل، ومحلّ وحالٌ، ومادّة، وقد تضمنت الآية ذكر هذه الأمور كلها على وجه التفصيل.

فالفاعل هو الله تعالى، مُفيض الأنوار الهادي لنوره من يشاء، والقابل العبد المؤمن، والمحل قلبه، والحالُ همته وعزيمته وإرادته، والمادّة قوله وعمله، وهذا التشبيه العجيب الذي تضمنته الآية، فيه من الأسرار والمعاني، وإظهار تمام نعمته على عبده المؤمن بما أناله من نوره ما تَقَرُّ به عيون أهله، وتبتهج به قلوبهم.

وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان:

[أحدهما]: طريقة التشبيه المركَّب، وهي أقرب مأخذًا، وأسلم من التكلف، وهي أن تشبه الجملة برمّتها بنور المؤمن من غير تعرُّض لتفصيل كلّ جزء من أجزاء المشبه، ومقابلته بجزء من المشبه به، وعلى هذا عامّةُ أمثال القرآن، فتأمل صفة المشكاة، وهي كُوَّةٌ (١) تَنْفُذ لتكون أجمع للضوء، قد وُضع فيها المصباح، وذلك المصباح داخل زجاجة، تشبه الكوكب الدُّرّيّ في صفائها وحسنها، ومادته من أصفى الأدهان، وأتمها وقودًا، من زيت شجرة في وسط القَرَاح (٢)، لا شرقية ولا غربية، بحيث تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار، بل هي في وسط القَرَاح مَحْمِيّة بأطرافه، تصيبها الشمس، أعدل إصابة، والآفات إلى الأطراف دونها، فمن شدة إضاءة زيتها وصفائها وحسنها، يكاد يضيء من غير أن تمسه نار، فهذا المجموع المركب، هو مثل نور الله تعالى الذي وضعه في قلب عبده المؤمن وخصّه به.

[والطريقة الثانية]: طريقة التشبيه المفَصَّل: فقيل: المشكاة صدر المؤمن، والزجاجة قلبه، شُبِّه قلبه بالزجاجة؛ لرقّتها وصفائها وصلابتها، وكذلك قلب المؤمن، فإنه قد جَمَع الأوصاف الثلاثة، فهو يَرْحَم، ويُحسِن، ويتحنَّن، ويُشفق على الخلق برقته، وبصفائه تتجلى فيه صور الحقائق والعلوم


(١) "الْكَوّة" بفتح الكاف، وضمها: الثقبة في الحائط.
(٢) "القراح" بالفتح: وزانُ كلام: هي المزرعة التي ليس عليها بناء، ولا فيها شجر.