للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على ما هي عليه، ويباعد الكَدَر والدَّرَن والوَسَخ بحسب ما فيه من الصفاء، وبصلابته يشتد في أمر الله تعالى، ويتصلب في ذات الله تعالى، ويَغلُظ على أعداء الله تعالى، ويقوم بالحق لله تعالى.

وقد جعل الله تعالى القلوب كالآنية، كما قال بعض السلف: القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أرقّها، وأصلبها وأصفاها، والمصباح هو نور الإيمان في قلبه، والشجرة المباركة هي شجرة الوحي المتضمنة للهدى ودين الحق، وهي مادّة المصباح التي يتقد منها، والنور على النور نور الفطرة الصحيحة، والإدراك الصحيح، ونور الوحي والكتاب، فينضاف أحد النورين إلى الآخر، فيزداد العبد نورًا على نور، ولهذا يكاد ينطق بالحق والحكمة قبل أن يَسْمَع ما فيه بالأثر، ثم يَبْلُغه الأثر بمثل ما وقع في قلبه، ونَطَق به، فيتفق عنده شاهد العقل والشرع، والفطرة والوحي، فَيُرِيه عقله وفطرته وذوقه أنّ الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحق، لا يتعارض عنده العقل والنقل البتة، بل يتصادقان، ويتوافقان، فهذا علامة النور على النور، عكس من تلاطمت في قلبه أمواج الشُّبَه الباطلة، والخيالات الفاسدة، من الظنون الجهليات التي يُسَمِّيها أهلها القواطع العقليات، فهي في حدره، كما قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)} [النور: ٤٠].

فانظر كيف انتظمت في هذه الآياتِ طوائف بني آدم أتم انتظام؟، واشتملت عليهم أكمل اشتمال؟.

فإن الناس قسمان:

[القسم الأول]: هم: أهل الهدى والبصائر الذين عَرَفوا أن الحق فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وأن كلّ ما عارضه فشبهات يشتبه على من قَلّ نصيبه من العقل والسمع أمرها، فيظنها شيئًا له حاصل ينتفع به، وهي: { … كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٣٩، ٤٠].