هذه الفطرة" (١)، فقد ذكره بأداة الحصر، فأفاد العموم، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في معنى "الفطرة" المذكورة في هذا الحديث:
(اعلم): أنه قد اختَلَف السلف في المراد بها على أقوال كثيرة:
[أحدهما]: أن المراد: الخِلقة، فإن الفَطْر بمعنى الخَلْق، والمراد: الخلقة المعروفة الأُولى المخالفة لخلق البهائم؛ أي: على خلقة يَعرف بها ربه، إذا بلغ مبلغ المعرفة، ذكره ابن عبد البرّ عن جماعة من أهل الفقه والنظر، قال: وأنكروا أن يُفْطَر المولود على كفر، أو إيمان، وإنما يعتقد ذلك بعد البلوغ إذا مَيَّز، ولو فُطر في أول أمره على شيء ما انتقل عنه، وقد نجدهم يؤمنون، ثم يكفرون، ومحال أن يعقل الطفل حال ولادته كفرًا أو إيمانًا، والله تعالى يقول:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل: ٧٨]، فمن لا يعلم شيئًا استحال منه الكفر والإيمان، قال ابن عبد البرّ: هذا القول أصحّ ما قيل في ذلك.
[القول الثاني]: أن المراد هنا: الإسلام، حكاه ابن عبد البرّ عن أبي هريرة، والزهريّ، وغيرهما، وقال هؤلاء: هذا هو المعروف عند عامّة السلف، من أهل العلم بالتأويل، فقد أجمعوا في قول الله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠] أنها دين الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة -رضي الله عنه- في هذا الحديث: اقرءوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، واحتجوا بقوله في حديث عياض بن حمار -رضي الله عنه-: "إن الله خَلَق آدم وبنيه حنفاء مسلمين"، ثم ردّه ابن عبد البر بأن الإسلام مستحيل من الطفل، وقرَّر المازري ذلك بأن المراد بالفطرة: ما أُخذ عليهم في صُلب آدم يوم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}، وأن الولادة تقع عليها، حتى يقع التعبير بالأبوين، وقرره أبو العباس القرطبيّ بأن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مُؤَهّلة لقبول الحقّ، كما خَلَق أعينهم، وأسماعهم قابلة للمرئيات، والمسموعات، فما دامت على ذلك