القبول، وعلى تلك الأهلية، أدركت الحقّ، ودين الإسلام، وصحح هذا أبو العباس القرطبيّ بقوله في رواية مسلم:"على هذه الملة"، وهي إشارة إلى ملة الإسلام، قال: وقد جاء ذلك مصرَّحًا به في "صحيح مسلم": "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم. . ." الحديث.
وفي معنى ذلك قول النوويّ: الأصح أن معناه: أن كل مولود يولد متهيأ للإسلام، فمن كان أبواه، أو أحدهما مسلمًا استَمَرّ على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما، فيتبعهما في أحكام الدنيا، وهذا معنى:"يهوّدانه، وينصّرانه"؛ أي: يُحكم له بحكمهما في الدنيا، فإن بلغ استمرّ عليه حُكمُ الكفر، ودينهما، فإن سبقت له سعادة أسلم، وإلا مات على كفره. انتهى (١).
[القول الثالث]: أن المراد: البداءة التي ابتدأهم عليها؛ أي: على ما فَطر الله عليه خَلْقه، من أنه ابتدأهم للحياة، والموت، والشقاء، والسعادة، قال محمد بن نصر المروزيّ: وهذا المذهب سببه ما حكاه أبو عبيد، عن عبد الله بن المبارك، أنه سئل عن قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة"، فقال: يفسِّره الحديث الآخر حين سئل عن أطفال المشركين، فقال:"الله أعلم بما كانوا عاملين"، قال: وقد كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول، ثم تركه، وقال ابنه عبد الله ما رسمه مالك في "الموطإ"، وذكره في أبواب القدر فيه من الآثار ما يدلّ على أن مذهبه في ذلك نحو هذا القول.
[القول الرابع]: أن معناه: أن الله تعالى قد فطرهم على الإنكار، والمعرفة، وعلى الكفر، والإيمان، فأخذ من ذرية آدم -عليه السلام- الميثاق حين خلقهم، فقال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} قالوا جميعًا: {بَلَى}، فأما أهل السعادة، فقالوا: بلى على معرفة له طوعًا من قلوبهم، وأما أهل الشقاوة، فقالوا: بلى كرهًا، لا طوعًا، قال محمد بن نصر المروزيّ: وسمعت إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى، واحتَجّ بقول أبي هريرة -رضي الله عنه-: اقرؤوا إن شئتم: