{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} قال إسحاق: يقول: لا تبديل لخِلْقته التي جُبل عليها ولدُ آدم كلهم؛ يعني: من الكفر والايمان، والمعرفة والإنكار، قال: واحتَجَّ له بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية، قال إسحاق: أجمع أهل العلم إنها الأرواح قبل الأجساد، واحتَجَّ لهذا أيضًا بحديث أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- في قصة الغلام الذي قَتَله الخضر، وأنه طُبع كافرًا، وبحديث عائشة -رضي الله عنها-، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لها:"أوَ لا تدرين أن الله خلق الجنة، وخلق النار، فخلق لهذه أهلًا، ولهذه أهلًا؟ "(١).
قال إسحاق: فهذا الأصل الذي يعتمد عليه أهل العلم، قال ابن عبد البر: إن أراد هؤلاء أن الله خلق الأطفال، وأخرجهم من بطون أمهاتهم ليعرف منهم العارف، ويعترف، فيؤمن، ويُنكر منهم المنكر، فيكفر، كما سبق له القضاء، وذلك في حين يصح منهم فيه الإيمان والكفر، فذلك ما قلنا، وإن أرادوا أن الطفل يولد عارفًا مقرًّا مؤمنًا وعارفًا جاحدًا كافرًا في حين ولادته، فهذا يكذبه العيان والعقل، قال: وقول إسحاق في هذا الباب لا يرضاه الحذّاق الفهماء من أهل السُّنَّة، وإنما هو قول المجبرة.
[القول الخامس]: أن معناه: ما أخذ الله من ذرية آدم من الميثاق قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخرج ذرية آدم من ظهره، فخاطبهم:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فأقرُّوا له جميعًا بالربوبية عن معرفة منهم به، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم، مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار، قالوا: وليست تلك المعرفة بإيمان، ولا ذلك الإقرار بإيمان، ولكنه إقرار من الطبيعة للرب فطرةٌ ألزمها قلوبهم، ثم أرسل إليهم الرسل، فدعَوْهم إلى الاعتراف له بالربوبية، فمنهم من أنكر بعد المعرفة؛ لأنه لم يكن الله ليدعو خَلْقه إلى الإيمان به، وهو لم يُعرِّفهم نفسه، رواه أبو داود في "سننه" عن حماد بن سلمة أنه سئل عن هذا الحديث فقال: هذا عندنا حيث أخذ الله عليهم العهد في أصلاب آبائهم، حين قال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}.
[القول السادس]: أن المراد بالفطرة: ما يقلّب الله قلوب الخلق إليه بما