للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعد أربعة أشهر، ولم يستهلّ، وظاهر حديث الاستهلال أنه لا يُصَلّى عليه، وهو الحقّ؛ لأن الاستهلال يدلّ على وجود الحياة قبل خروج السقط، كما يدلّ على وجودها بعده، فاعتبار الاستهلال من الشارع دليل على أن الحياة بعد الخروج من البطن معتبَرة في مشروعية الصلاة على الطفل، وأنه لا يكتفى بمجرّد العلم بحياته في البطن فقط. انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح مذهب القائلين بالصلاة على المولود مطلقًا، سواء استهلّ، أو لم يستهلّ، بعد نفخ الروح فيه، وذلك أن يتمّ له أربعة أشهر، كما هو مذهب أحمد، وإسحاق، ورجّحه المجد ابن تيمية رحمهم الله تعالى، لحديث المغيرة بن شعبة: "والطفل يصلّى عليه" لفظ النسائىّ، ولفظ أبي داود: "السِّقْط يصلّى عليه"، وهو حديث صحيح.

وأما حديث الاستهلال الذي رجح به الشوكانيّ عدم الصلاة إذا لم يستهلّ، وهو ما أخرجه الترمذيّ، من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطفل لا يصلى عليه، ولا يَرِث، ولا يورث، حتى يستهلّ (٢) "، ورواه ابن ماجه أيضًا، ولكنه لم يذكر: "ولا يورث"، فلا يصحّ الاحتجاج به؛ لأن في إسناد الترمذيّ: إسماعيل بن مسلم المكيّ، عن أبي الزبير، وإسماعيل ضعيف، وفي إسناد ابن ماجه: الربيع بن بدر، عن أبي الزبير، والربيع متروك أيضًا.

والصحيح أنه موقوف على جابر -رضي الله عنه-، فقد رواه ابن جريج وغيره، موقوفًا عليه.

فتبيّن بهذا أن اشتراط الاستهلال للصلاة على الطفل مما لا دليل عليه، بل الدليل الصحيح هو حديث المغيرة -رضي الله عنه- المذكور، بلفظ: "والطفل يُصلّى عليه"، وبلفظ: "والسقط يُصلّى عليه"، وهو على إطلاقه يعمّ المستهلّ، وغيره.

والحاصل: أن المذهب الراجح هو القول بالصلاة على الطفل مطلقًا، والله تعالى أعلم.


(١) "نيل الأوطار" ٤/ ٥٧ - ٥٨.
(٢) استهلال الصبي: تصويته عند ولادته، والمراد به: أن يوجد ما يُعلم به حياته، من صياح، أو اختلاج، أو نَفَس، أو حركة، أو عُطاس. أفاده في "مجمع البحار".