للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويصبر على أذاهم أفضل عن المؤمن الذي لا يُخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم" (١).

(احْرِصْ) بكسر الراء، ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} [النحل: ٣٧]، ويجوز فتحها، ففي القاموس: الْحِرْصَ بالكسر: الْجَشَعُ، وقد حَرَصَ، كضرب، وسَمِع، فهو حريص، وزاد في "التاج" ضبطًا ثالثًا، وهو كنصر.

[تنبيه]: اختُلِف في اشتقاق الحْرِصْ -بكسر، فسكون- وهو الْجَشَعُ، فقيل: مشتق عن حَرَصَ القصّارُ الثوبَ: إذا قشره بدقّة، وهذا قول الراغب، وقال الأزهريّ: أصلُ الحرص: الشقّ، وقيل للشَّرِهِ: حريصٌ؛ لأنه يَقشِر بحرصه وجوهَ الناس، وقيل: هو مأخوذ من السحابة الحارصة التي تقشر وجه الأرض، كأن الحارص ينال من نفسه بشدّة اهتمامه بتحصيل ما هو حريصٌ عليه، وهذا قول صاحب "الاقتطاف"، وقد نقله محمد بن الطيب الفاسي في شرح "القاموس"، واستبعده (٢).

والمعنى: كن حريصًا (عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)؛ أي: من أمور الدين والدنيا، (وَاسْتَعِنْ بِاللهِ)؛ أي: على فِعلك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، (وَلَا تَعْجِزْ) بكسر الجيم، ومنه قوله -عز وجل -: {أَعَجَزْتُ} [المائدة: ٣١]، ويجوز فتحها على قلّة، ففي "القاموس": عَجَز كضرب، وسَمِع (٣)؛ أي: ولا تعجز عن الحرص، والاستعانة، فإن الله -سبحانه وتعالى - قادر على أن يعطيك قوّة على طاعته؛ إذا استقمت على استعانته، وقيل: معناه: لا تعجز عن العمل بما أُمرت، ولا تتركه مقتصرًا على الاستعانة به، فإن كمال الإيمان أن يُجمَع بينهما.

قال الطيبيّ: -رحمه الله-: يمكن أن يُذهب إلى اللفّ والنشر، فيكون قوله: "احرص على ما ينفعك أي: لا تترك الجهد بيانًا للقويّ، وقوله: "ولا تعجز" بيانًا للضعيف (٤).


(١) حديث صحيح، رواه أحمد في "المسند" رقم (٥٠٢٢ و ٢٣١٥٩).
(٢) راجع: "تاج العروس في شرح القاموس" ٤/ ٣٧٨.
(٣) كونه كسمع لغة رديئة، كما في "التاج".
(٤) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٣٣٤.