كتاب البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج

(٨) - (باب في الأمر بالقوة، وترك العجز، والاستعانة بالله تعالى، وتفويض المقادير لله -عز وجل-) - [تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد - ج: 41 - ص: 550

وقال النوويّ: معناه: احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تعجز، ولا تَكْسِل عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "احرص على ما ينفعك إلخ"؛ أي: استعمل الحرص، والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دينك ودنياك التي تستعين بها على صيانة دينك، وصيانة عيالك، ومكارم أخلاقك، ولا تفرّط في طلب ذلك، ولا تتعاجز عنه متّكلًا على القدر، فتُنْسَب للتقصير، وتلام على التفريط شرعًا وعادةً، ومع إنهاء الاجتهاد نهايته، وإبلاغ الحرص غايته، فلا بدّ من الاستعانة بالله تعالى، والتوكّل عليه، والالتجاء في كل الأمور إليه، فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدارين. انتهى (٢).

(وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ)؛ أي: من المكروه الدينيّ، أو الدنيويّ، وفي رواية لابن ماجه من طريق ابن عجلان، عن الأعرج: "فإن غلبك أمرٌ"، (فَلَا تَقُلْ: لَوْ) شرطيّة، وجوابها "كان كذا وكذا"، (أَنِّي فَعَلْتُ) مفعوله محذوف؛ أي: كذا وكذا، (كَانَ)؛ أي: لصار (كَذَا وَكَذَا)؛ أي: لا تقل هذا القول متأسّفًا على ما فات، فإن هذا القول غير سديد، ومع هذا غير مفيد، فقد قال تعالى جل شأنه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: ٥١]، وقد قال: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: ٢٣]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: أي: لو كان الأمر لي، وكنت مستبدًّا بالفعل والترك كان كذا وكذا، وفيه تأسّف على الفائت، ومنازعة للقدر، وإيهام بأن ما يفعله باستبداده، ومقتضى رأيه خير مما ساقه القدر إليه، من حيث إن "لو" تدلّ على انتفاء الشيء لانتفاء غيره فيما مضى، ولذلك استكرهه، وجعله يفتح عمل الشيطان. انتهى (٣).

(وَلَكِنْ قُلْ)؛ أي: بلسان القال، أو لسان الحال، قاله القاري، والأول

---

(١) "شرف النوويّ " ١٦/ ٢١٥.
(٢) "المفهم" ٦/ ٦٨٢ - ٦٨٣.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٣٣٥.