للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: ١٠٢]، قيل: مع من؟ قيل: معه، وكذلك قدّر في قوله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣]، فعلى هذا "قام" بمعنى قام بالأمر: أي تشَمَّرَ، وتجلَّد له، فالمعنى: أنه قام بحفظ تلك الكلمات فينا؛ لأن القيام بالشيء هو المراعاة والحفظ له، قال الله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥]، وقال الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: ٣٣]. انتهى كلام الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

وقال السنديّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي الوجه الثالث لو جُعل "فينا" متعلّقًا بـ "قام" من غير اعتبار، أي قام بخمس كلمات في حقّنا، ولأجل انتفاعنا كان صحيحًا، والأقرب أن المعنى: قام فيما بيننا بتبليغ خمس كلمات، أي بسببه، فالجارّان متعلّقان بالقيام، وهو على ظاهره، وذلك أن يُجعل القيام مِن قام بالأمر، ويُجعل "فينا" بيانًا متعلّقًا به أيضًا. انتهى (٢).

(بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ) أي بخمس جُمَل، فالمراد بالكلمة هنا الجملة المركبة المفيدة، وهو إطلاق لغويّ، كما يسمّون القصيدة كلمةً، وإليه أشار ابن مالك في "الخلاصة":

وَكِلْمَةٌ بهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَم

ومنه قوله - عَزَّ وَجَلَّ - {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} الآية [المؤمنون: ١٠٠]، إشارة إلى قوله: {رَبِّ ارْجِعُونِ] [المؤمنون: ٩٩]، وقولهم: لا إله إلَّا الله كلمة الإخلاص، ومنه ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لَبِيد:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ"

[تنبيه]: المراد بالكلمات هنا: الْجُمَل المترابطة في المعنى:

[فالكلمة الأولى]: قوله: "إن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام".

[الثانية]: قوله: "يَخفِض القسط، ويرفعه".

[الثالثة]: قوله: "يُرفَع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل".


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٤٨.
(٢) "شرح السنديّ" ١/ ١٢٨.