انتهى ما في "الفتح"(١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيس، والله تعالى أعلم.
ثم رأيت الحافظ ابن رجب كتب بحثًا نفيسًا، أحببت إيراده هنا، وإن كان تقدّم في كلام الحافظ؛ إلا أن فيه تحقيقات مفيدة - ولعل الحافظ أخذه منه، كما يشير إليه قوله السابق: قال بعض الأئمة إلخ.
قال رحمه اللهُ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هلك المتنطعون إلخ": المتنطع: هو المتعمق البحّاث عما لا يعنيه، وهذا قد يَتمسك به من يتعلق بظاهر اللفظ، وينفي المعاني، والقياس، كالظاهرية، والتحقيق في هذا المقام -والله أعلم - أن البحث عما لم يوجد فيه نصّ خاصّ، أو عامّ على قسمين:
أحدهما: أن يبحث عن دخوله في دلالات النصوص الصحيحة من الفتوى، والمفهوم، والقياس الظاهر الصحيح، فهذا حقّ، وهو مما يتعيَّن فِعله على المجتهدين في معرفة الأحكام الشرعية.
والثاني: أن يدقّق الناظر نظره، وفكره في وجوه الفروق المستبعدة، فيفرق بين متماثِلَين بمجرد فَرْق، لا يظهر له أثر في الشرع، مع وجود الأوصاف المقتضية للجمع، أو يجمع بين متفرِّقَين بمجرد الأوصاف الطارئة التي هي غير مناسبة، ولا يدلّ دليل على تأثيرها في الشرع، فهذا النظر والبحث غير مرضيّ، ولا محمود، مع أنه قد وقع في طوائف من الفقهاء، وإنما المحمود: النظر الموافق لِنَظر الصحابة - رضي الله عنهم -، ومَن بعدهم، من القرون المفضلة، كابن عباس ونحوه، ولعل هذا مراد ابن مسعود - رضي الله عنهم - بقوله:"إياكم والتنطع، إياكم والتعمق، وعليكم بالعتيق"؛ يعني: ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم -.
ومن كلام بعض أعيان الشافعية: لا يليق بنا أن نكتفي بالخيالات في الفروق، كدأب أصحاب الرأي، والسر في تلك أن متعلَّق الأحكام في الحال الظنون وغلباتها، فإذا كان اجتماع مسألتين أظهر في الظن من افتراقهما، وجب القضاء باجتماعهما، وإن انقدح فرقٌ على بُعد، فافهموا ذلك، فإنه من قواعد الدين. انتهى.
ومما يدخل في النهي عن التعمّق والبحث عنه: أمور الغيب الخبرية التي أُمرنا بالإيمان بها، ولم يبيّن كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا