للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تمثيل لما يُقَدِّر تَنْزِيله، فشبّه بوزن الميزان، ويحتمل أن يكون إشارة إلى قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩]: أي أنه يحكم بين خلقه بميزان العدل، فأمره كأمر الوزّان الذي يزن، فيخفض يده ويرفعها، وهذا المعنى أنسب بما قبله، كأنه قيل: كيف يجوز عليه النوم، وهو الذي يتصرّف أبدًا في ملكه بميزان العدل؟.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وهذا تمثيل … إلخ"، غير صحيح؛ لأنه يدلّ على أن الميزان هنا ليس حقيقةً، بل هو مجاز، وهو معنى باطل، مناف لما ثبت في النصوص الصحيحة من إثبات الميزان، والوزن به حقيقةً لا مجازًا، وكذا قوله: "فأمره كأمر الوزان" فيه نظر لا يخفى، فتنبّه لهذه الدقائق، فإنها من مزالّ الأقدام، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقيل: المراد بالقسط الرزق الذي هو قِسط كل مخلوق، أي نصيبه، يخفضه فيُقَتِّره، ويرفعه فيوسعه (١).

وقال الطيبيّ: المعنى الأول للقسط هو الأولى؛ لما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "يرفع الميزان ويخفضه". انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: قال ابن قتيبة: القِسْط: الميزان، وسُمّي بذلك؛ لأن القسط هو العدل، وذلك إنما يحصل، ويُعرف بالميزان في حقوقنا، وأراد به ها هنا ما يوزن به أعمال العباد المرتفعة إليه، وأرزاقهم الواصلة إليهم، كما قال الله تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: ٢١]، و"القُسطاس" بضم القاف، وكسرها: هو أَقْوَمُ الموازين، وقيل: أراد بالقسط هنا الوزن الذي هو قسط كلّ مخلوق، يَخفضه، فيُقتِّره، ويرفعه، فيوسّعه، وقيل: إن القسط هو العدل نفسه، ويُراد به الشرائع والأحكام، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} الآية [الحديد: ٢٥]، أي النَّصَفَة في الأحكام والعدل المأمور به في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية [النحل: ٩٠]، فتارة يرفعه بمعنى: يُعليه، ويُظهره بوجود


(١) راجع: "شرح مسلم للنوويّ" ٣/ ١٣، و"شرح السنديّ" ١/ ١٢٨.
(٢) "الكاشف" ٢/ ٥٤٩.