للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استُعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أُطلقت على كل مكروه، أو آيل إليه، كالكفر، والإثم، والتحريق، والفضيحة، والفجور، وغير ذلك. انتهى (١).

(وَيُلْقَى الشُّحُّ) فعلٌ، ونائب فاعله، و"الشُّحّ" بضمّ الشين المعجمة، وتشديد الحاء المهملة: البخل، وشحَ يَشحّ، من باب قتل، وفي لغة من بابي ضرب، وتَعِبَ، فهو شحيح، وقوم أشحّاء، وأشحّةٌ، وتشاحّ القوم بالتضعيف: إذا شحّ بعضهم على بعض، قاله الفيوميّ رحمه الله (٢).

وقال في "القاموس"، و"شرحه": الشحُّ مثلَّثَةً: البُخْل، والحِرْصُ. وقيل: هو أَشَدُّ البُخْل، وهو أَبْلَغ في المنْعِ من البُخْل. وقيل: البُخْل في أَفرادِ الأُمور، وآحادِهَا، والشُّحُّ عامٌّ. وقيل: البُخْلُ بالمال، والشُّحُّ بالمالِ والمَعروف، وقد شَحِحْتَ -بالكسر- به، وعليه تَشَحُّ -بالفتح-. انتهى (٣).

والمراد: إلقاؤه في قلوب الناس، على اختلاف أحوالهم، حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم، والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته، حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله، حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشحّ؛ لأنه لم يزل موجودًا.

وقال ابن أبي جمرة: يَحْتَمل أن يكون إلقاء الشحّ عامًّا في الأشخاص، والمحذور من ذلك ما يترتب عليه مفسدة، والشحيح شرعًا هو من يمنع ما وجب عليه، وإمساك ذلك مُمْحِق للمال، مذهب لبركته، ويؤيده: "ما نقص مال من صدقة"، فإن أهل المعرفة فهموا منه أن المال الذي يخرج منه الحقّ الشرعيّ لا يلحقه آفة، ولا عاهة، بل يحصل له النماء، ومن ثَمّ سمّيت الزكاة؛ لأن المال ينمو بها، ويحصل فيه البركة. انتهى ملخصًا.

قال: وأما ظهور الفتن، فالمراد بها: ما يؤثّر في أمر الدين، وأما كثرة القتل، فالمراد بها: ما لا يكون على وجه الحقّ؛ كإقامة الحدّ والقصاص (٤).


(١) "الفتح" ١٦/ ٤٣٢، كتاب " الفتن" رقم (٧٠٤٨).
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٣٠٦.
(٣) "تاج العروس" ص ١٦٤٣.
(٤) "بهجة النفوس" ٤/ ٢٥٨.