(المسألة الثالثة): قال ابن بطال رحمه الله: معنى تقارب الزمان - والله أعلم - تقارُب أحوال أهله في قلة الدِّين، حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر؛ لغلبة الفسق، وظهور أهله، وقد جاء في الحديث:"لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا، فإذا تساووا هلكوا"؛ يعني: لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح، وخوف من الله، يُلجأ إليهم عند الشدائد، ويُستشفَى بآرائهم، ويُتبرك بدعائهم، ويؤخذ بتقويمهم وآثارهم.
وقال الطحاويّ: قد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصّة، والرضا بالجهل، وذلك لأن الناس لا يتساوون في العلم؛ لأن درجات العلم تتفاوت، قال تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف: ٧٦]، وإنما يتساوون إذا كانوا جهالًا، وكأنه يريد غلبة الجهل، وكثرته، بحيث يُفقد العلم بفقد العلماء.
قال ابن بطال رحمه الله: وجميع ما تضمّنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانًا، فقد نقص العلم، وظهر الجهل، وأُلقي الشحّ في القلوب، وعمَّت الفتن، وكَثُر القتل.
قال الحافظ: الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير، مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك، حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر، وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم، فلا يبقى إلا الجهل الصِّرْف، ولا يَمْنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم؛ لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن ماجه بسند قويّ عن حذيفة - رضي الله عنه - قال:"يدرُس الإسلام كما يدرس وَشْي الثوب، حتى لا يُدرَى ما صيام، ولا صلاة، ولا نُسك، ولا صدقة، ويُسْرَى على الكتاب في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية. . ." الحديث.
وعند الطبرانيّ عن عبد الله بن مسعود قال:"وليُنزعن القرآن من بين أظهركم، يُسرَى عليه ليلًا، فيذهب من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض منه شيء"، وسنده صحيح، لكنه موقوف.
والواقع أن الصفات المذكورة وُجدت مباديها من عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض، والذي يعقبه قيام الساعة استحكام ذلك كما قررته.