للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد مضى من الوقت الذي قال فيه ابن بطال ما قال نحوُ ثلاثمائة وخمسين سنةً، والصفات المذكورة في ازدياد في جميع البلاد، لكن يقلّ بعضها في بعض، ويكثر بعضها في بعض، وكلما مضت طبقة ظهر النقص الكثير في التي تليها، والى ذلك الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يأتي عليكم زمان، إلا الذي بعده شَرّ منه، حتى تلقوا ربكم"، رواه البخاريّ.

ثم نقل ابن بطال عن الخطابيّ في معنى تقارب الزمان المذكور في الحديث الآخر؛ يعني: الذي أخرجه الترمذيّ من حديث أنس، وأحمد من حديث أبي هريرة، مرفوعًا: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السَّعَفَة"، قال الخطابيّ: هو من استلذاذ العيش، يريد - والله أعلم - أنه يقع عند خروج المهديّ، ووقوع الأَمَنة في الأرض، وغلبة العدل فيها، فيُستلذّ العيش عند ذلك، وتُستقصر مدّته، وما زال الناس يستقصرون مدة أيام الرخاء، وإن طالت، ويستطيلون مدة المكروه، وإن قصرت.

ومن طريف ما يروى فيه قول الشاعر [من الكامل]:

إِنَّ الْحَيَاةَ مَنَازِلٌ وَمَرَاحِلٌ … تُطْوَى وَتُنْشَرُ دُونَهَا الأَعْمَارُ

فَقِصَارُهُنَّ مَعَ الْهُمُومِ طَوَيلَةٌ … وَطِوَالُهُنَّ مَعَ السُّرُورِ قِصَارُ (١)

وتعقبه الكرمانيّ بأنه لا يناسب أخواته، من ظهور الفتن، وكثرة الهرج، وغيرهما.

قال الحافظ: وإنما احتاج الخطابيّ إلى تأويله بما ذُكر؛ لأنه لم يقع النقص في زمانه، وإلا فالذي تضمّنه الحديث قد وُجد في زماننا هذا، فإنا نجد من سرعة مَرّ الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، وإن لم يكن هناك عيش مستلذّ، والحقّ أن المراد: نزع البركة من كل شيء، حتى من الزمان، وذلك من علامات قرب الساعة.

وقال بعضهم: معنى تقارُب الزمان: استواء الليل والنهار، وهذا مما قالوه في قوله: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب".


(١) راجع البيتين في: "تكملة فتح الملهم" ٥/ ٥٢٣.