ونقل ابن التين عن الداوديّ أن معنى حديث الباب: أن ساعات النهار تقصر قرب قيام الساعة، ويقرب النهار من الليل. انتهى.
وتخصيصه ذلك بالنهار لا معنى له، بل المراد: نزع البركة من الزمان ليله ونهاره، كما تقدم.
قال النوويّ تبعًا لعياض وغيره: المراد بقِصَره: عدم البركة فيه، وأن اليوم مثلًا يصير الانتفاع به بقَدْر الانتفاع بالساعة الواحدة، قالوا: وهذا أظهر وأكثر فائدةً، وأوفق لبقية الأحاديث.
وقد قيل في تفسير قوله:"يتقارب الزمان": قِصَر الأعمار بالنسبة إلى كل طبقة، فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارًا من الطبقة التي قبلها، وقيل: تقارُب أحوالهم في الشرّ، والفساد، والجهل، وهذا اختيار الطحاويّ، واحتجّ بأن الناس لا يتساوون في العلم والفهم، فالذي جنح إليه لا يناسب ما ذُكر معه إلا أن نقول: إن الواو لا ترتِّب، فيكون ظهور الفتن أولًا ينشأ عنها الهرج، ثم يخرج المهديّ، فيحصل الأمن.
قال ابن أبي جمرة: يَحْتَمِل أن يكون المراد بتقارب الزمان: قِصَره، على ما وقع في حديث:"لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر"، وعلى هذا فالقِصَر يَحْتَمِل أن يكون حسيًّا، ويَحْتَمِل أن يكون معنويًّا، أما الحسيّ فلم يظهر بعدُ، ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة، وأما المعنويّ فله مدّة منذ ظهر، يعرف ذلك أهل العلم الدينيّ، ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي، فانهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قَدْر ما كانوا يعملونه قبل ذلك، وَيشْكُون ذلك، ولا يدرون العلة فيه، ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان؛ لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشد ذلك الأقوات، ففيها من الحرام المحض، ومن الشُّبَه ما لا يخفى، حتى إن كثيرًا من الناس لا يتوقف في شيء، ومهما قَدَر على تحصيل شيء هَجَم عليه، ولا يبالي، والواقع أن البركة في الزمان، وفي الرزق، وفي النبت، إنما يكون من طريق قوّة الإيمان، واتباع الأمر، واجتناب النهي، والشاهد لذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ