للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(جُهَّالًا) -بضمّ الجيم، وتشديد الهاء-: جمع جاهل، صفة لـ "رؤوسًا".

[فإن قلت]: المراد بالجهل هنا: الجهل البسيط، وهو عدم العلم بالشيء، لا مع اعتقاد العلم به، أم الجهل المركّب، وهو عدم العلم بالشيء مع اعتقاد العلم به؟.

[أجيب]: بأن المراد: هو القَدْر المشترك بينهما المتناوِل لهما.

[فإن قلت]: أهذا مختصّ بالمفتين، أم عامّ للقضاة الجاهلين؟.

[أجيب]: بأنه عامّ؛ إذ الحكم بالشيء يستلزم الفتوى به. قاله في "العمدة" (١).

وفيه التحذير عن اتخاذ الجهّال رؤوسًا.

(فَسُئِلُوا) بضم السين المهملة؛ أي: سألهم السائلون، (فَأَفْتَوْا) بفتح الهمزة، والتاء؛ أي: بيّنوا الحكم للسائلين (بِغَيْرِ عِلْمٍ) وفي رواية أبي الأسود عند البخاريّ في "الاعتصام": "فيُفتُون برأيهم".

وفي هذا الحديث: الحثُّ على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الْجَهَلَة. وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية، وذَمُّ من يُقْدِم عليها بغير علم. واستدل به الجمهور على القول بخلوّ الزمان عن مجتهد، ولله الأمر يفعل ما يشاء.

(فَضَلُّوا)؛ أي: في أنفسهم، من الضلال، (وَأَضَلُّوا")؛ أي: غيرهم ممن يقلّدهم رأيهم الفاسد، وهو من الإضلال.

[فإن قلت]: الضلال متقدّم على الإفتاء، فما معنى الفاء؟.

[أجيب]: بأن المجموع من الضلال والإضلال هو متعقّب على الإفتاء، وإن كان الجزء الأول مقدّمًا عليه؛ إذ الإضلال الذي بعد الإفتاء غير الضلال الذي قبله.

[فإن قلت]: الإضلال ظاهر، وأما الضلال فإنما يلزم أن لو عَمِل بما أفتى، وقد لا يَعمَل به.

[أجيب]: بأن إضلاله لغيره ضلال له، عَمِل بما أفتى أو لم يَعمَل. قاله في "العمدة" (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٩٠.
(٢) المصدر السابق ٢/ ٩٠.