فعسى في العشيّ أقول: إنها واحدة. وقال معن بن عيسى القزّاز: سمعت مالكًا يقول: إنما أنا بشرٌ أُخطئ وأُصيب، فانظروا في قولي، فكلُّ ما وافق الكتاب والسُّنَّة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسُّنَّة فاتركوه. قال ابن القيّم رحمه الله: فرضي الله عن أئمة الإسلام، وجزاهم عن نصيحتهم خيرًا، ولقد امتثل وصيّتهم وسلك سبيلهم أهل العلم والدِّين من أتباعهم.
وأما المتعصّبون فإنهم عكسوا القضيّة، ونظروا في السُّنَّة، فما وافق أقوالهم منها قبِلُوه، وما خالفها تحيّلوا في ردّه، أو ردّ دلالته، وإذا جاء نظير ذلك، أو أضعف منه سندًا ودلالةً، وكان يوافق قولهم قبِلوه، ولم يستجيزوا ردّه، واعترضوا به على منازِعهم، وأشاحوا، وقرّروا الاحتجاج بذلك السند ودلالته، فإذا جاء ذلك السند بعينه، أوأقوى منه، ودلالته كدلالة ذلك، أو أقوى منه في خلاف قولهم دفعوه، ولم يقبلوه.
وقال بقيّ بن مخلد: ثنا سحنون والحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، عن مالك أنه كان يكثر أن يقول:{إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}[الجاثية: ٣٢].
وقال القعنبيّ: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلّمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت له: يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال لي: يا ابن قعنب وما لي لا أبكي؟ ومن أحقّ بالبكاء منّي؟ والله لوددتُ أني ضُربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سَوْطًا، وقد كانت لي السعة فيما قد سُبقتُ إليه، وليتني لم أُفتِ بالرأي.
وقال ابن أبي داود: ثنا أحمد بن سنان قال: سمعت الشافعيّ يقول: مَثلُ الذي ينظر في الرأي، ثم يتوب منه مثل المجنون الذي عُولج حتى برئ، فأُعقل ما يكون قد هاج به.
وقال ابن أبي داود: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: لا تكاد ترى أحدًا نظر في الرأي إلا وفي قلبه دَغَل (١). وقال عبد الله بن أحمد أيضًا: سمعت أبي يقول: الحديث الضعيف أحبّ إليّ من الرأي، فقال