للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبد الله: سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يَعرِف صحيحه من سقيمه، وأصحاب رأي، فتنزل به النازلة، فقال أبي: يسأل أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأي، ضعيف الحديث أقوى من الرأي.

قال ابن القيّم: وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله مُجمِعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أَولى من القياس والرأي، وعلى ذلك بَنَى مذهبه، كما قدّم حديث القهقهة مع ضَعفه على القياس والرأي، وقدّم حديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر (١) مع ضعفه على الرأي والقياس، ومنع قطع السارق بسرقة أقلّ من عشرة دراهم، والحديث فيه ضعيف، وجعل أكثر الحيض عشرة أيام، والحديث فيه ضعيف، وشَرَط في إقامة الجمعة المصرَ، والحديث فيه كذلك، وتَرَك القياس المحض في مسائل الآبار؛ لآثار فيها غير مرفوعة، فتقديم الحديث الضعيف، وآثار الصحابة على القياس والرأي قوله، وقول الإمام أحمد، وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطلاح السلف هو الضعيف في اصطلاح المتأخرين، بل ما يسمّيه المتأخّرون حسنًا قد يسميه المتقدّمون ضعيفًا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قول ابن القيّم رحمه الله: إن مذهب أبي حنيفة تقديم الحديث الضعيف على القياس، ثم ذكر أمثلة على ذلك، محل نظر، فإنهم إذ قد فعلوا ذلك في الأمثلة المذكورة، فيا ليتهم وقفوا عليه، لكنهم يردّون الأحاديث الصحيحة بالقياس، كما فعلوا في حديث المصرّاة المتّفق عليه، وكالحديث المتفق عليه أيضًا: "لا صلاة إلا بأم القرآن"، وكحديث بيع العرايا، وكحديث تحريم الرجوع في الهبة إلا للوالد، وكحديث: "لا زكاة في حبّ ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق"، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي ردّوها بأنها تخالف القياس، وقد أجاد ابن القيّم حيث أورد نيّفًا وخمسين مثالًا لِمَا خالف فيه الحنفيّة وغيرهم الأحاديث الصحيحة، فراجعه تستفد (٢)، وبالله تعالى التوفيق.


(١) القيد بالسفر محل نظر، وما أظنه شرطًا عندهم، فليُنظر.
(٢) راجع: "إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين" ١/ ٦١٧ - ٦٩٩.