للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعضهم إن تفرّقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يُخالفه غيره أخذنا بقوله.

ولَمّا كان رأي الصحابة - رضي الله عنهم - عند الشافعيّ بهذه المثابة، قال في الجديد في "كتاب الفرائض" في ميراث الجدّ والإخوة: وهذا مذهبٌ تلقّيناه عن زيد بن ثابت، وعنه أخذنا أكثر الفرائض.

وقال: والقياس عندي قتل الراهب لولا ما جاء عن أبي بكر - رضي الله عنه -، فَتَرك صريح القياس لقول الصدّيق - رضي الله عنه -. وقال في رواية الربيع عنه: والبدعة ما خالف كتابًا، أو سُنَّةً، أو أثرًا عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فجعل ما خالف قول الصحابيّ بدعة.

والمقصود: أن أحدًا ممن بعدهم لا يساويهم في رأيهم، وكيف يساويهم، وقد كان أحدهم يرى الرأي، فينزل القرآن بموافقته؟ كما رأى عمر - رضي الله عنه - في أسارى بدر أن تُضرب أعناقهم، فنزل القرآن بموافقته، ورأى أن تُحجب نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فنزل القرآن بموافقته، ورأى أن يُتّخذ مقام إبراهيم مُصلّى، فنزل القرآن بموافقته، إلى غير ذلك من موافقاته.

وقد قال سعد بن معاذ - رضي الله عنه - لَمّا حكّمه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة: إني أرى أن تَقتل مُقاتِلهم، وتَسبي ذرياتهم، وتغنم أموالهم، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماواته". متّفقٌ عليه.

ولَمّا اختلفوا إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - شهرًا في الْمُفَوِّضة قال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان، والله ورسوله بريء منه، أرى أن لها مهر نسائها، لا وَكْس ولا شَطَط، ولها الميراث، وعليها العدّة، فقام ناس من أشجع فقالوا: نشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في امرأة منّا، يقال لها: بَرْوَع بنت واشق مثلَ ما قضيت به، فما فرِحَ ابن مسعود - رضي الله عنه - بشيء بعد الإسلام فَرَحه بذلك. حديث صحيح، أخرجه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ وابن ماجه، وغيرهم.

وحقيقٌ بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم خيرًا لنا مِن رَأْينا لأنفسنا، وكيف لا؟ وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نورًا وإيمانًا وحكمةً وعلمًا ومعرفة وفهمًا عن الله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونصيحةً للأمة، وقلوبهم