(عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ)؛ أنه (قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ) أم المؤمنين - رضي الله عنها -: (يَا ابْنَ أُخْتِي)؛ أي: لأنه وَلَدُ أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم -، (بَلَغَنِي أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو) بن العاص - رضي الله عنهما - (مَارٌّ بِنَا)؛ أي: بالمدينة النبويّة، قادمًا من مصر (إِلَى الْحَجّ، فَالْقَهُ) بوصل الهمزة، وفتح القاف أمْر مِن لقي يلقى، كرضيَ يرضَى، (فَسَائِلْهُ) أمْر من المساءلة، وهو أن يسأل أحدهما الآخر، وبالعكس، لكن المراد هنا أن يسأل عروة، ويجيب عبد الله - رضي الله عنه -، فيكون السؤال من جانب، والجواب من جانب، والله تعالى أعلم.
(فَإِنَّهُ) الفاء تعليّليّة؛ أي: لأنه (قَدْ حَمَلَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِلْمًا كثِيرًا) فينبغي أن تستفيد من عِلمه بالسؤال. (قَالَ) عروة: (فَلَقِيتُهُ) بكسر القاف، كما أشرت إليه آنفًا. (فَسَاءَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ) مما يحتاج إليه من أمور الدين التي تلقّاها عبد الله عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما بيّنه بقوله:(يَذْكُرُهَما عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) جملة "يذكرها" صفة لـ "أشياء". (قَالَ عُرْوَةُ: فَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ) عبد الله: (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"إِنَّ اللهَ لَا يَنْتَزعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا) وفي رواية البخاريّ: "إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه"، وفي لفظ: "أعطاهموه" بالهاء ضمير الغيبة بدل الكاف، وفي رواية له في "كتاب العلم" من طريق مالك عنه: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد"، وفي رواية: "من قلوب العباد". أخرجه الحميديّ في "مسنده" عنه، والوارد في أكثر الروايات لفظ: "من الناس"، وفي رواية للطبرانيّ: "إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا ينتزعه منهم، بعد أن أعطاهم"، ولم يذكر على من يعود الضمير، وفي رواية للطبرانيّ أيضًا: "إن الله لا ينزع العلم من صدور الناس بعد أن يعطيهم إياه".
قال الحافظ: وأظن عبد الله بن عمرو إنما حدَّث بهذا جوابًا عن سؤال مَن سأله عن الحديث الذي رواه أبوأمامة، قال: لما كان في حجة الوداع قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جملٍ آدم، فقال: "يا أيها الناس خُذوا من العلم قبل أن يُقبض، وقبل أن يرفع من الأرض. . ." الحديث، وفي آخره: "إلا أن ذهاب العلم ذهاب حَمَلَتِه" ثلاث مرات، أخرجه أحمد، والطبرانيّ، والدارميّ، فبيّن عبد الله بن عمرو أن الذي وَرَدَ في قبض العلم، ورَفْع العلم، إنما هو على