وهو مذهب جمهور أهل العلم، وعلى ذلك شواهد من القرآن، مثل:{إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَو تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف: ٢٠]، والخالد أفضل من الفاني، فالملائكة أفضل من بني آدم.
وتُعُقّب بأن المعروف عن جمهور أهل السُّنَّة أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس، والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة: الفلاسفة، ثم المعتزلة، وقليل من أهل السُّنَّة، من أهل التصوف، وبعض أهل الظاهر، فمنهم من فاضل بين الجنسين، فقالوا: حقيقة الملَك أفضل من حقيقة الإنسان؛ لأنها نورانية، وخيّرة، ولطيفة، مع سعة العلم، والقوّة، وصفاء الجوهر، وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد؛ لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة، ومنهم من خصّ الخلاف بصالحي البشر والملائكة، ومنهم من خصه بالأنبياء، ثم منهم من فضّل الملائكة على غير الأنبياء، ومنهم من فضّلهم على الأنبياء أيضًا إلا على نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أدلة تفضيل النبيّ على الملَك أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له، حتى قال إبليس:{أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}[الإسراء: ٦٢].
ومنها: قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥]؛ لِمَا فيه من الإشارة إلى العناية به، ولم يثبت ذلك للملائكة.
ومنها: قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[الجاثية: ١٣]، فدخل في عمومه الملائكة، والمسخَّر له أفضل من المسخَّر، ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة، وطاعة البشر غالبًا مع المجاهدة للنفس؛ لِمَا طُبعت عليه من الشهوة، والحرص، والهوى، والغضب، فكانت عبادتهم أشقّ، وأيضًا فطاعة الملائكة بالأمر الوارد عليهم، وطاعة البشر بالنصّ تارةً، وبالاجتهاد تارةً، والاستنباط تارةً، فكانت أشقّ، ولأن الملائكة سَلِمت من وسوسة الشياطين، وإلقاء الشُّبَه، والإغواء الجائزة على البشر، ولأن الملائكة تشاهد حقائق الملكوت، والبشر لا يعرفون ذلك إلا بالإعلام، فلا يَسْلَم منهم مِن