إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب، وحركة الأفلاك إلا الثابت على دينه، ولا يتم ذلك إلا بمشقة شديدة، ومجاهدات كثيرة.
وأما أدلة الآخرين: فقد قيل: إن حديث الباب أقوى ما استُدِلّ به لذلك؛ للتصريح بقوله فيه:"في ملأ خير منهم"، والمراد بهم: الملائكة، حتى قال بعض الغلاة في ذلك: وكم من ذاكر لله في ملأ، فيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ذكرهم الله في ملأ خير منهم.
وأجاب بعض أهل السُّنَّة بأن الخبر المذكور ليس نصًّا، ولا صريحًا في المراد، بل يطرقه احتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خير من الملأ الذاكر: الأنبياء، والشهداء، فإنهم أحياء عند ربهم، فلم ينحصر ذلك في الملائكة.
وأجاب آخر، وهو أقوى من الأول: بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معًا، فالجانب الذي فيه ربّ العزة خيرٌ من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع.
قال الحافظ: وهذا الجواب ظهر لي، وظننت أنه مبتكَر، ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين ابن الزملكانيّ في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى، فقال: إن الله قابَل ذِكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه، وقابل ذكر العبد في الملأ بذكره له في الملأ، فإنما صار الذكر في الملأ الثاني خيرًا من الذكر في الأول؛ لأن الله هو الذاكر فيهم، والملأ الذين يذكرون، والله فيهم، أفضل من الملأ الذين يذكرون، وليس الله فيهم.
ومن أدلة المعتزلة: تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ}[البقرة: ٩٨]، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}[آل عمران: ١٨]، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}[الحج: ٧٥].
وتُعُقِّب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل؛ لأنه لم ينحصر فيه، بل له أسباب أخرى، كالتقديم بالزمان، في مثل قوله:{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ}[الأحزاب: ٧]، فقدَّم نوحًا على إبراهيم -عليه السلام - لتقدُّم زمان نوح، مع أن إبراهيم أفضل.