للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والذي يدّعي ذلك يحتاج إلى إثبات أن النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح، وهم لا يعتقدون ذلك، بل يعتقدون فيه الإلهية، فلا يتم استدلال من استَدَلّ به، قال: وسياق الآية من أسلوب التتميم والمبالغة، لا للترقي، وذلك أنه قَدَّم قوله {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إلى قوله -: {وَكِيلًا} [النساء: ١٧١]، فقرَّر الوحدانية، والمالكية، والقدرة التامة، ثم أتبعه بعدم الاستنكاف، فالتقدير: لا يستحقّ من اتصف بذلك أن يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى إلهًا؛ لاعتقادكم فيه الكمال، ولا الملائكة الذين اتخذها غيركم آلهة؛ لاعتقادهم فيهم الكمال.

قال الحافظ: وقد ذكر ذلك البغويّ مُلخصًا، ولفظه: لم يقل ذلك رفعًا لمقامهم على مقام عيسى، بل ردًّا على الذين يدّعون أن الملائكة آلهة، فردّ عليهم، كما ردّ على النصارى الذين يدّعون التثليث.

ومنها: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: ٥٠]، فنفى أن يكون ملَكًا، فدلّ على أنهم أفضل.

وتُعُقّب بأنه إنما نفى ذلك؛ لكونهم طلبوا منه الخزائن، وعِلم الغيب، وأن يكون بصفة الملَك، مِن ترك الأكل، والشرب، والجماع، وهو من نمط إنكارهم أن يرسل الله بشرًا مثلهم، فنفى عنه أنه ملك، ولا يستلزم ذلك التفضيل.

ومنها: أنه سبحانه لمّا وصف جبريل؛ ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم - قال في جبريل: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠)} [الحاقة: ٤٠]، وقال في حقّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢)} [التكوير: ٢٢]، وبين الوصفين بَوْنٌ بَعِيدٌ.

وتُعُقّب بأن ذلك إنما سيق للردّ على من زعم أن الذي يأتيه شيطان، فكان وَصْف جبريل بذلك تعظيمًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد وَصَفَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الموضع بمثل ما وَصَف به جبريل هنا، وأعظم منه.

وقد أفرط الزمخشريّ في سوء الأدب هنا، وقال كلامًا يستلزم تنقيص المقام المحمديّ، وبالغ الأئمة في الردّ عليه في ذلك، وهو من زلاته الشنيعة. انتهى (١).


(١) "الفتح" ١٧/ ٣٥٦ - ٣٦٠، كتاب "التوحيد" رقم (٧٤٠٥).