وقال القرطبيّ: المرجوّ من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب، مع صحة النية أن يُدخله الله الجنة، وهذه المراتب الثلاثة للسابقين، والصدّيقين، وأصحاب اليمين.
وقال غيره: معنى أحصاها: عَرَفها؛ لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمنًا، والمؤمن يدخل الجنة.
وقيل: معناه: عدّها معتقدًا؛ لأن الدهريّ لا يعترف بالخالق، والفلسفيّ لا يعترف بالقادر.
وقيل: أحصاها، يريد بها وجه الله، وإعظامه.
وقيل: معنى أحصاها: عَمِل بها، فإذا قال: الحكيم مثلًا سَلّم جميع أوامره؛ لأن جميعها على مقتضى الحكمة، وإذا قال: القدوس استحضر كونه منزهًا عن جميع النقائص، وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل.
وقال ابن بطال: طريق العمل بها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها؛ كالرحيم، والكريم، فإن الله يحب أن يرى حلاها على عبده، فَلْيُمَرِّن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص بالله تعالى؛ كالجبار، والعظيم، فيجب على العبد الإقرار بها، والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة، فهذا معنى أحصاها، وحفظها، ويؤيّده أن من حفظها عدًّا، وأحصاها سردًا، ولم يعمل بها يكون كمن حَفِظ القرآن، ولم يعمل بما فيه، وقد ثبت الخبر في الخوارج أنهم يقرؤون القرآن، ولا يجاوز حناجرهم.
قال الحافظ: والذي ذكره مقام الكمال، ولا يلزم من ذلك أن لا يَرِد الثواب لمن حفظها، وتعبّد بتلاوتها، والدعاء بها، وإن كان متلبسًا بالمعاصي، كما يقع مثل ذلك في قارئ القرآن سواءً، فإن القارئ، ولو كان متلبسًا بمعصية غير ما يتعلق بالقراءة، يثاب على تلاوته عند أهل السُّنَّة، فليس ما بحثه ابن
(١) "الأعلام" ٣/ ١٣٤٢، و "الفتح" ١٤/ ٤٧٤، "كتاب الدعوات" رقم (٦٤١٠).