للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومعنى قوله: (لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ)؛ أي: لأن التعليق يوهم إمكان إعطائه على غير المشيئة، وليس بعد المشيئة إلا الإكراه، والله تعالى لا مكره له.

ومعنى قوله: "ليعظّم الرغبة"؛ أي: يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء، والإلحاح فيه، ويَحْتَمِل أن يراد به: الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير، ويؤيّده ما في آخر هذه الرواية: "فإن الله لا يتعاظمه شيء".

والمستكره، والمكرِه بمعنى واحد، والمراد: أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء، فيخفف الأمر عليه، ويُعلَم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه، وأما الله - سبحانه وتعالى - فهو منزه عن ذلك، فليس للتعليق فائدة.

وقيل: المعنى أن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب، والمطلوب منه، والأول أَولى. قاله في "الفتح" (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قال العلماء: عَزْم المسألة: الشدّة في طلبها، والحزم من غير ضَعف في الطلب، ولا تعليق على مشيئة، ونحوها، وقيل: هو حسن الظن بالله تعالى في الإجابة، ومعنى الحديث: استحباب الجزم في الطلب، وكراهة التعليق على المشيئة، قال العلماء: سبب كراهته أنه لا يتحقّق استعمال المشيئة إلا في حقّ من يتوجه عليه الإكراه، والله تعالى منزه عن ذلك، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث: "فإنه لا مستكره له"، وقيل: سبب الكراهة أن في هذا اللفظ صورة الاستغناء عن المطلوب، والمطلوب منه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد أسلفت لك - وسيأتي أيضًا - أن الظاهر المستفاد من الحديث التحريم، لا الكراهة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "لا يقولنّ أحدكم: اللَّهُمَّ اغفر لي إن شئت": إنما نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذا القول؛ لأنَّه يدلّ على فتور الرغبة، وقلّة التهمّم بالمطلوب، وكأن هذا القول يتضمّن أن هذا المطلوب إن حصل، وإلا استغني عنه، ومن كان هذا حاله لم يُتحقّق من حاله الافتقار، والاضطرار الذي هو روح عبادة الدعاء، وكان ذلك دليلًا على قلّة اكتراثه بذنوبه، وبرحمة ربه،


(١) "الفتح" ١٣/ ٤٥١.
(٢) "شرح النووي" ١٧/ ٧.