(عَنْ أنسِ) بن مالك - رضي الله عنه -؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ) بالنون المشددة، فـ "لا" ناهية، والفعل مؤكّد بنون التوكيد الثقيلة. وسيأتي في الحديث المذكور آخر الباب بلفظ: "لا يتمنّى" بإثبات الألف، وسيأتي الكلام عليه هناك - إن شاء الله تعالى -.
[تنبيه]: زاد البخاري في أول هذا الحديث من طريق الزهريّ، عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف: "أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لن يُدخل أحدًا عملُه الجنّة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلا أن يتغمّدني الله بفضل، ورحمة، فسدّدوا، وقاربوا، ولا يتمنّينّ أحدكم الموت. . ." الحديث.
(أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ) الخطاب للصحابة - رضي الله عنهم -، والمراد هُمْ ومَن بَعدَهم من المسلمين عمومًا. (لِضُرٍّ) بضمّ الضاد المعجمة، وفَتْحها، قرئ بهما في السبع.
(نَزَلَ بِهِ)؛ أي: لأجل ضرر حصل له في بدنه، أو أهله، أو ماله، قال التوربشتيّ: النهي عن تمنّي الموت، وإن أُطلق في هذا الحديث فالمراد منه: المقيّد، كما في الحديث الآتي، فعلى هذا: يُكره تمنّي الموت من ضرّ أصابه في نفسه، أو ماله؛ لأنه في معنى التبرّم عن قضاء الله في أمر يضرّه في دنياه، وينفعه في آخرته، ولا يُكره للخوف في دينه من فساد. انتهى.
وقال في "الفتح": حَمَل هذا الضرّ جماعة من السلف على الضر الدنيويّ، فإن وُجد الضر الأخرويّ، بأن خَشِي فتنة في دينه، لم يدخل في النهي، ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية ابن حبان:"لا يتمنينّ أحدكم الموت؛ لضر نزل به في الدنيا"، على أن "في" في هذا الحديث سببية؛ أي: بسبب أمر من الدنيا، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، ففي "الموطأ" عن عمر - رضي الله عنه -؛ أنه قال:"اللَّهُمَّ كَبِرت سنّي، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيّع، ولا مفَرِّط"، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر، عن عمر - رضي الله عنه -.
وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس، ويقال: عابس الغفاريّ؛ أنه قال: يا طاعون خذني، فقال له عُلَيم الكِنديّ: لِمَ تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: