للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"لا يتمنينّ أحدكم الموت"، فقال: إني سمعته يقول: "بادروا بالموت ستًّا: إمرة السفهاء، وكثرة الشُّرَط، وبيع الحكم. . ." الحديث.

وأخرج أحمد أيضًا من حديث عوف بن مالك نحوه، وأنه قيل له: ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما عُمِّر المسلم كان خيرًا له. . ." الحديث، وفيه الجواب نحوه، وأصرح منه في ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم في القول في دُبُر كل صلاة، وفيه: "وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفّني إليك غير مفتون".

(فَإنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا) اسم "كان" ضمير يعود إلى "أحدكم"، و"متمنّيًا" خبرها، وجملة: "لا بُدّ" معترضة، وهي في محل نصب على الحال، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: "لا بُدّ من كذا"؛ أي: لا مَحِيد عنه، ولا يُعرف استعماله إلا مقرونًا بالنفي. انتهى (١).

وحاصل المعنى: أنه لا يجوز لأحد أن يتمنّى الموت، فإن كان لا محيد عن التمنّي، فلا يتمنّ صريحًا، بل يعدل عنه إلى التفويض إلى الله تعالى الذي هو أعلم بمصالح عباده، وهو بهم رؤوف رحيم، فيسأله معلقًا بوجود الخير فيه.

وفي رواية للبخاريّ: "فإن كان لا بُدّ فاعلًا، فليقل … "، وفي لفظ له: "فإن كان ولا بدّ متمنيًا للموت، فليقل. . ." الحديث؛ أي: فلا يتمنّ صريحًا، بل يعدل عنه إلى التعليق بوجود الخير فيه.

قال في "الفتح": وهذا يدلّ على أن النهي عن تمنّي الموت مقيّد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة؛ لأن في التمني المطلق نوع اعتراض، ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض، وتسليم للقضاء.

قال: وفي قوله: "فإن كان، لا بدّ … إلخ" ما يَصرِفُ الأمرَ عن حقيقته من الوجوب، أو الاستحباب، ويدلّ على أنه لمطلق الإذن؛ لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته، وقريب من هذا السياق ما أخرجه أصحاب "السنن" من حديث المقدام بن معد يكرب: "حسبُ ابن آدم لُقيمات يُقمن صُلبه، فإن كان ولا بدّ، فثلث للطعام. . ." الحديث؛ أي: إذا كان لا بدّ من الزيادة على اللُّقيمات، فليقتصر على الثلث، فهو إذن بالاقتصار على الثلث،


(١) "المصباح المنير" ١/ ٣٨.