للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القاضي، وهو كما في "الكشاف" أبلغ وآكد؛ لأنه قُدّر أن المنهي حال ورود النهي عليه انتهى عن المنهيّ عنه، وهو يُخبر عن انتهائه، كأنه يقول: لا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة، والساعي في ازدياد ما يثاب عليه، من العمل الصالح، أن يتمنى ما يمنعه عن البرّ، والسلوك لطريق الله، وعليه الخبر، قال: "خير الناس من طال عمره، وحَسُن عمله" (١)؛ لأن مَن شأنه الازدياد، والترقي من حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام، حتى ينتهي إلى مقام القُرْب، كيف يَطلب القطع عن مطلوبه؟ (٢).

(لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ) لدلالته على عدم الرضا بما أنزل الله به من المشاقّ، ولأن ضرر المرض مطهِّر للإنسان من الذنوب، والموت قاطع له، ولأن الحياة نعمة، وطلب إزالة النعمة قبيح (٣).

(وَلَا يَدْعُ بِهِ)؛ أي: لا يسأل الله تعالى الموت، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأتِيَهُ) الموت بانقضاء أجله، وقوله: (إِنَّهُ) بكسر الهمزة؛ لوقوعها في الابتداء، والجملة تعليليّة؛ أي: إنما نُهي عن تمنّي الموت، والدعاء به؛ لأنه إذا مات … إلخ، وَيَحْتَمل أن يكون بفتح الهمزة إن صحّت الرواية، بتقدير حرف التعليل؛ أي: لأنه (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ) بالعين المهملة، وفي بعض النسخ: "أمله" بالميم بدل العين؛ أي: رجاءه، والمعنى: أن الإنسان ينقطع ما يعمله من الخيرات في حياته إذا مات، فلا ينبغي له أن يتمنّى الموت، ولا أن يدعو به، وإن أصابه ما أصابه من البأساء والضرّاء؛ لئلا تنقطع. خيراته، وقوله: (وَإِنَّهُ) كسابقه، والضمير للشأن، وهو ضمير تفسّره جملة بعده، كما قال ابن مالك - رحمه الله - في "الكافية":

وَمُضْمَرُ الشَّأنِ ضَمِيرٌ فُسِّرَا … بِجُمْلَةٍ كـ"إِنَّهُ زيدٌ شَرَى"

أي: إن الحال والشأن (لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ) منصوب على أنه مفعول مقدّم، (عُمْرُهُ) مرفوع على أنه فاعل مؤخّر، (إِلَّا خَيْرًا") وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة يتسبب


(١) حديث صحيح: أخرجه أحمد، والترمذيّ.
(٢) "فيض القدير" ٦/ ٤٤٤.
(٣) "فيض القدير" ٦/ ٤٤٤.