منها العمل، والعمل يُحَصِّل زيادة الثواب، ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد، فهو أفضل الأعمال، ولا يَرِد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد - والعياذ بالله تعالى - عن الإيمان؛ لأن ذلك نادر، والإيمان بعد أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وعلى تقدير وقوع ذلك، وقد وقع، لكن نادرًا، فمن سبق له في علم الله خاتمة السوء، فلا بدّ من وقوعها طال عمره أو قصر، فتعجيله بطلب الموت لا خير له فيه، ويؤيّده حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -؛ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لسعد:"يا سعد إن كنت خُلقت للجنة، فما طال من عمرك، أو حَسُن من عملك فهو خير لك". أخرجه أحمد بسند ليّن.
واستُشكل بأنه قد يعمل السيئات، فيزيده عمره شرًّا.
وأجيب بأجوبة:
أحدها: حَمْل المؤمن على الكامل، وفيه بُعْدٌ.
والثاني: أن المؤمن بصدد أن يعمل ما يُكَفّر ذنوبه، إما من اجتناب الكبائر، وإما من فِعل حسنات أخر، قد تقاوم بتضعيفها سيئاته، وما دام الإيمان باقيًا فالحسنات بصدد التضعيف، والسيئات بصدد التكفير.
والثالث: يُقيّد ما أُطلق في هذه الرواية بما وقع في الرواية الأخرى من الترجي، حيث جاء بقوله:"لعله يستعتب"، والترجي مشعر بالوقوع غالبًا لا جزمًا، فخرج الخبر مخرج تحسين الظن بالله، وأن المحسن يرجو من الله الزيادة، بأن يوفقه للزيادة من عمله الصالح، وأن المسيء لا ينبغي له القنوط من رحمة الله، ولا قَطْع رجائه، أشار إلى ذلك الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ"، ويدلّ على أن قِصَر العمر قد يكون خيرًا للمؤمن حديث أنس - رضي الله عنه -، وفيه:"وتوفَّني إذا كان الوفاة خيرًا لي"، وهو لا ينافي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا" إذا حُمل حديث أبي هريرة على الأغلب، ومقابله على النادر، قاله في "الفتح"(١)، والله تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ١٣/ ٤٩ - ٥٠، "كتاب المرضى" رقم (٥٦٧٣).