للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالوصول لحضرته، وذلك غير داخل تحت نهي التقييد، والمطلق راجع للمقيد. انتهى.

هذا وليس لك أن تقول: لم تَنحصِر القسمة في هذين الوصفين، فلعله يكون مسيئًا فيزداد إساءة، فتكون زيادة العمر زيادة له في الشقاء، كما في خبر: "شَرّ الناس من طال عمره، وساء عمله" (١). أو لعله يكون محسنًا، فتنقلب حاله إلى الإساءة؛ لأنا نقول: تَرَجِّي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - له زيادة الإحسان، أو الانكفاف عن السوء بتقدير أن يدوم على حاله، فإذا كان معه أصل الإيمان، فهو خير له بكل حال، وبتقدير أن يَخِفّ إحسانه، فذلك الإحسان الخفيف الذي داوم عليه مضاعف له مع أصل الإيمان، وإن زادت إساءته، فالإساءة كثير منها مكفَّر، وما لا يُكَفَّر يرجى العفو عنه، فما دام معه الإيمان، فالحياة خير له، كما بيَّنه المحقق أبو زرعة (٢).

وقال في "الفتح": ظاهر الحديث انحصار حال المكلف في هاتين الحالتين، وبقي قسم ثالث، وهو أن يكون مخلِّطًا، فيستمرّ على ذلك، أو يزيد إحسانًا، أو يزيد إساءة، أو يكون محسنًا، فينقلب مسيئًا، أو يكون مسيئًا، فيزداد إساءةً.

والجواب: أن ذلك خرج مخرج الغالب؛ لأن غالب حال المؤمنين ذلك، ولا سيما والمخاطَب بذلك شفاهًا الصحابة - رضي الله عنهم -.

قال: وقد خطر لي في معنى الحديث أن فيه إشارةً إلى تغبيط المحسن بإحسانه، وتحذير المسيء من إساءته، فكأنه يقول: من كان محسنًا، فليترك تمني الموت، وليستمرّ على إحسانه، والازدياد منه، ومن كان مسيئًا، فليترك تمني الموت، وليُقلِع عن الإساءة؛ لئلا يموت على إساءته، فيكون على خطر، وأما من عدا ذلك، ممن تضمّنه التقسيم، فيؤخذ حكمه من هاتين الحالتين؛ إذ لا انفكاك عن أحدهما، والله أعلم. انتهى (٣).

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) تقدّم أنه صحيح.
(٢) "فيض القدير شرح الجامع الصغير" ٦/ ٤٤٤ - ٤٤٥.
(٣) "الفتح" ١٧/ ٨٣ - ٨٤، "كتاب التمنّي" رقم (٧٢٣٥).