للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي الله عنه -، وفي رواية شعبة، عن قتادة التالية: "قال: سمعت أنسًا يُحدّث" (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) - رضي الله عنه - وقد رواه حميد، عن أنس، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بغير واسطة، أخرجه أحمد، والنسائيّ، والبزار، من طريقه، وذكر البزار أنه تفرَّد به، فإن أراد مطلقًا وَرَدَت عليه رواية قتادة، وإن أراد بقيد كونه جَعَله من مسند أنس سَلِم (١).

(أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ)؛ أي: المصير إلى الدار الآخرة، بمعنى أن المؤمن عند الغَرْغَرة يُبَشَّر برضوان الله تعالى، فيكون موته أحبّ إليه من حياته. قيل: الحب هنا هو الذي يقتضيه الإيمان بالله، والثقة بوعده، دون ما يقتضيه حكم الجِبِلَّة.

قال الحافظ وليّ الدين - رحمه الله -: قال العلماء: معنى هذا الحديث: عند الاحتضار، والمعاينة، فحينئذ يُكشف الغطاء، فأهل السعادة يبشَّرون بما أعدَّه الله لهم، وأراده فيهم، وهو معنى محبته لقاءهم (٢)، فيغتبطون، ويُسَرّون بذلك، ويحبون الموت؛ لتحصيل تلك الكرامة، وأهل الشقاوة كُشف لهم عن حالهم، فكرهوا الورود على ربهم؛ لِمَا تيقنوا من تعذيبه لهم، والله تعالى قد أبعدهم عنه، وأراد بهم العذاب، وهو معنى كرهه لقاءهم (٣)، فـ"مَنْ" هنا خبرية، غير شرطية، وليس معنى الحديث: أن سبب حب الله لقاء هؤلاء حبهم ذلك، ولا أن سبب كراهة الله لقاء هؤلاء كراهتهم ذلك، ولكنه صفة حال هؤلاء وهؤلاء في أنفسهم، وعند ربهم، كأنه قال: من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله فهو الذي كره الله لقاءه، فيستدل باستبشار


(١) راجع: "الفتح" ١٤/ ٦٩٨، "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٠٧).
(٢) هذا فيه نظر؛ لأنه صَرْف لمعنى الكلام إلى غير وجهه، بل المعنى أن صفة المحبّة ثابتة لله تعالى، ثم يترتّب على ذلك إكرامه، وإنعامه، وإرادة الخير له، هذا هو مذهب السلف، فتنبّه.
(٣) هذا نظير ما سبق في المحبّة، فصفة الكراهية ثابتة له - سبحانه وتعالى -، ثم يترتب عليه ما ذُكر، فهو من لوازمها، فتنبّه.