للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المحتضر بعد المعاينة على الخير، وبانكماشه بعدها على الشرّ، وقد فَسّرت عائشة - رضي الله عنها - الحديث بذلك، وروته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فوجب الرجوع إليه.

وقال ابن عبد البرّ بعد نقله هذا المعنى عن أهل العلم: وقال أبو عبيدة: ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته؛ لأن هذا لا يكاد يخلو منه أحد، ولكن المكروه من ذلك إيثار الدنيا، والركون إليها، وكراهته أن يصير إلى الله، والدار الآخرة، قال: ومما يبيِّن ذلك أن الله تعالى قد عاب قومًا في كتابه بحب الحياة الدنيا، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس: ٧]، وقال: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: ٩٦]، وقال: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الجمعة: ٧]، قال: فهذا يدلّ على أن الكراهية للقاء الله تعالى ليست بالكراهية للموت، وإنما هو الكراهية للنُّقلة من الدنيا إلى الآخرة. انتهى.

وقال المازريّ: من قُضي بموته لا بدّ أن يموت، وإن كان كارهًا لقاء الله، ولو كره الله موته ما مات، ولا لقيه، فيُحمل الحديث على كراهة الله تعالى الغفران له، وإرادته لإبعاده من رحمته. انتهى.

قال وليّ الدين: وظاهر عبارته تقتضي عدم الغفران لمن كره الموت مطلقًا، وليس كذلك، فالصواب في معنى الحديث ما فسره به قائله - صلى الله عليه وسلم -.

انتهى (١).

وقال في "الفتح": قال الكرمانيّ (٢): ليس الشرط سببًا للجزاء، بل الأمر بالعكس، ولكنه على تأويل الخبر؛ أي: من أحب لقاء الله أَخْبِره بأن الله أحب لقاءه، وكذا الكراهة، وقال غيره فيما نقله ابن عبد البرّ وغيره: "مَنْ" هنا خبرية، وليست شرطية، فليس معناه أن سبب حب الله لقاء العبد حب العبد لقاءه، ولا الكراهة، ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم عند ربهم، والتقدير: من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه، وكذا الكراهة.

وتعقّبهم الحافظ - وقد أجاد في ذلك - فقال: ولا حاجة إلى دعوى نفي


(١) "طرح التثريب" ٣/ ٢٦٣ - ٢٦٤.
(٢) "شرح صحيح البخاريّ" للكرمانيّ ٢٣/ ٢٥.