للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشرطية، فسيأتي في "التوحيد" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: "قال الله - عزَّ وجلَّ -: إذا أحب عبدي لقائي، أحببت لقاءه. . ." الحديث، فيتعين أن "مَنْ" في حديث الباب شرطية (١).

وقال ابن الأثير الجزريّ - رحمه الله - في "النهاية": المراد بلقاء الله هنا: المصير إلى الدار الآخرة، وطلب ما عند الله، وليس الغرض به الموت؛ لأن كُلًّا يكرهه، فمن ترك الدنيا، وأبغضها أحبّ لقاء الله، ومن آثرها، ورَكِن إليها كَرِه لقاء الله؛ لأنه إنما يصل إليه بالموت. قال: وقول عائشة - رضي الله عنه -: "والموت دون لقاء الله" يبيّن أن الموت غير اللقاء، ولكنه مُعترِضٌ دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه، وَيحْتَمِلَ مشاقّه حتى يصل إلى الفوز باللقاء (٢).

قال الطيبيّ - رحمه الله -: يريد أن قول عائشة - رضي الله عنها -: "إنا لنكره الموت" يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث: الموت، وليس كذلك؛ لأن لقاء الله غير الموت، بدليل قوله في الرواية الأخرى: "والموت دون لقاء الله"، لكن لمّا كان الموت سببًا إلى لقاء الله عبّر عنه بلقاء الله.

قال الحافظ: وقد سبق ابن الأثير إلى تأويل لقاء الله بغير الموت الإمام أبو عبيد القاسم بن سلّام، فقال: ليس وجهه عندي كراهة الموت، وشدّته؛ لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا، والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله، وإلى الدار الآخرة، قال: ومما يُبيّن ذلك أن الله تعالى عاب قومًا بحبّ الحياة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} الآية [يونس: ٧]. انتهى.

وقال الخطابيّ: معنى محبّة العبد للقاء الله: إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحبّ استمرار الإقامة فيها، بل يستعدّ للارتحال عنها، والكراهةُ بضدّ ذلك. انتهى.

وقال النوويّ: معنى الحديث: أن المحبّة والكراهة التي تُعتبر شرعًا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تُقبل فيها التوبة، حين ينكشف الحال للمُحتَضِر، ويظهر له ما هو صائر إليه. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ١٤/ ٦٩٨.
(٢) "النهاية في غريب الأثر" ٤/ ٢٦٦.
(٣) راجع: "الفتح" ١٤/ ٧٠١، "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٠٧).