وبالجملة فكونه ابن عبد الله الظاهر أنه غلطٌ، ومما يؤيّد ذلك أن ابن راهويه أخرج هذا الحديث في "مسنده"(١) عن جرير بن عبد الحميد، عن مطرّف هذا، وبيقين أن جريرًا لم يلق مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير؛ لأنه مات سنة (٨٧) أو سنة (٩٥)، ووُلد جرير سنة (١٠٧)؛ أي: بعد موته بأكثر من عشر سنين، فاتّضح بهذا أن مطرّفًا هنا هو ابن طَريف بلا شكّ، ولله الحمد والمنّة.
والباقون ذُكروا قبله، و"عامر" هو: الشعبيّ.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُداسيّات المصنّف - رحمه الله -، وأنه مسلسل بالكوفيين، غير الصحابيّ فمدنيّ، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة - رضي الله عنه - أحفظ من روى الحديث في عصره.
شرح الحديث:
(عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ) الحارثيّ الْمَذْحِجيّ المخضرم الكوفيّ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه -؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ)؛ أي: المصير إلى الدار الآخرة، (أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ) فيه إثبات المحبّة والكراهية لله - عز وجل - على ما يليق بجلاله، دون تأويل، كما ذهب إليه شُرّاح هذا الحديث، على ما أوضحناه قريبًا. (وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ") فيه أن الجزاء من جنس العمل. (قَالَ) شريح (فَأتَيْتُ عَائِشَةَ) أم المؤمنين - رضي الله عنها - (فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (يَذْكُرُ) جملة في محل نصب على الحال من المفعول، (عَنْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا، إِنْ كَانَ كَذَلِكَ)؛ أي: إن كان الحديث كما ذكره أبو هريرة - رضي الله عنه -، وإنما قال ذلك؛ لاحتمال أن يكون أخطأ فيه أبو هريرة - رضي الله عنه -، أو أخطأ هو في فَهْمه، فلعل عائشة - رضي الله عنها - سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يخالفه، أو لعلها تفهّمه المراد منه. (فَقَدْ هَلَكْنَا)؛ أي: لكون الموت مبغوضًا إلى النفس بالطبع. (فَقَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها -: (إِنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ، بِقَوْلِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) هذه الجملة قدّمتها قبل استفهامها حديث أبي هريرة؛ لتبيّن أن الهالك كل الهالك