للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو الذي هلك بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا منجى، ولا ملجأ له، بل هو الخاسر في الدنيا والآخرة. (وَمَا ذَاكَ؟)؛ أي: ما هو الحديث الذي ذكره أبو هريرة؟ (قَالَ) أبو هريرة: (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ") وقوله: (وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ) وفي رواية النسائيّ: "وَلَكِنْ لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ"، (إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ) هذه الجملة من كلام شريح بَيَّنَ بها وجهَ الإشكال من الحديث. (فَقَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها -: (قَدْ قَالَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: هذا الحديث الذي حدّثك به أبو هريرة، ففيه تصديق من عائشة - رضي الله عنها - لأبي هريرة بأنه حفظ الحديث كما هو، ولم يغيّره، (وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ) الباء زائدة؛ أي: ليس المراد ما تفهمه أنت من الإطلاق، بل هو مقيّد بحالة الاحتضار حين يُبَشَّر المؤمن بخير، ويُنذَر الكافر بشرّ، وإلى هذا أشارت بقولها: (وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ) بفتح الشين، والخاء، يقال: شَخَصَ البصر، من باب منع: إذا ارتفع، ويتعدّى بنفسه، فيقال: شَخَصَ الرجلُ بَصَرَه: إذا فتح عينيه، لا يَطْرِف، وربّما يُعَدّى بالباء، فيقال: شَخَص الرجل ببصره، قاله الفيّوميّ - رحمه الله - (١).

ومعناه هنا: ارتفاع الأجفان إلى فوقُ، وتحديدُ النظر.

وفي رواية النسائيّ: "وَلَكِنْ إِذَا طَمَحَ الْبَصَرُ". قال المجد: طَمَحَ بصرُهُ إليه، كمنع: ارتفع، ووقع في نسخة "الكبرى": "وطفح البصر" بالفاء بدل الميم، والظاهر أنه تصحيف، فإن الطَّفْح معناه الامتلاء، ولا يناسب هنا.

(وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ) كَدَحْرَج، قال المجد - رحمه الله -: الحَشْرَجَة: الغَرْغَرة عند الموت، وتردُّدُ النَّفَس. (وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ)؛ أي: قام شعره، وأخذته قُشَعْرِيرَةٌ؛ أي: رِعْدَةٌ، (وَتَشَنَّجَتِ الأَصَابعُ) قال النوويّ - رحمه الله -: تشنّج الأصابع: تقبّضُها.

قال في "الفتح": وهذه الأمور هي حالة المحتضِر، وكأن عائشة - رضي الله عنها - أخذته من معنى الخبر الذي رواه عنها سعد بن هشام مرفوعًا لمّا قالت له: "فكلنا نكره الموت؟ فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله، ورضوانه، وجنته، أحب لقاء الله، فاحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشّر بعذاب الله، وسخطه، كره لقاء الله، وكره الله لقاءه".


(١) "المصباح المنير" ١/ ٣٠٦.