عنه، ولا أجازيه عليها أصلًا، وهذا من كمال فضله، وهو محمول على ما سوى الشرك، فإن سيئته لا يُغفر، كما بيّنه الله تعالى بقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨].
وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: خَصّ ذِكر الجزاء بالثانية؛ لأن ما يقابل العمل الصالح كله إفضال وإكرام من الله، وما يقابل السيئة فهو عدل وقصاص، فلا يكون مقصودًا بالذات كالثواب، فخُصَّ بالجزاء، وأما إعادة السيئة نكرة، فلتنصيص معنى الوحدة المبهمة في السيئة المعرفة المطلقة وتقريرها، وأما معنى الواو في "وأزيد" فلمطلق الجمع، إن أريد بالزيادة الرؤية، كقوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس: ٢٦]، وإن أريدَ بها الإضعاف فالواو بمعنى "أو" التنويعية، كما هي في قوله:"أو أغفر". قال القاري: والأظهر ما قاله ابن حجر من أن العشر والزيادة يمكن اجتماعهما، بخلاف جزاء مثل السيئة ومغفرتها، فإنه لا يمكن اجتماعهما، فوجب ذكر "أو" الدالة على أن الواقع أحدهما فقط. انتهى (١).
وقوله:(وَمَنْ تَقَرَّبَ)؛ أي: طَلَب القُرب (مِنِّي) بالطاعة (شِبْرًا)؛ أي: مقدارًا قليلًا، قال الطيبي - رَحِمَهُ اللهُ -: "شبرًا" و"ذراعًا" و"باعًا" في الشرط والجزء منصوبات على الظرفية؛ أي: من تقرب إليّ مقدار شِبْر (تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا)؛ أي: مقدار شبرين، (وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا) قال الباجيّ: البدع طول ذراعي الإنسان، وعضديه، وعَرْض صدره، وذلك قَدْر أربعة أذرع، وقيل: هو قَدْر مدّ اليدين، وما بينهما من البدن، (وَمَنْ أَتَانِي) حال كونه (يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) هي الإسراع في المشي، دون الْعَدْو، وقال الطيبيّ: هي حال؛ أي: مهرولًا، أو مفعول مطلق؛ لأن الهرولة نوع من الإتيان، فهو كرجعت القهقرى، لكن الحَمْل على الحال أَولى؛ لأن قرينه "يمشي" حال لا محالة. انتهى.
وقد تقدّم أن الإتيان، والهرولة ونحوهما مما يُمرّ على ظاهره، مع تنزيه الله تعالى عن مماثلة مخلوقاته، كما هو مذهب السلف، فتنبّه، ولا تقلّد الشرّاح المأوِّلين، والله تعالى وليّ التوفيق.