للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم رأيت صاحب "المرعاة شرح المشكاة" قال: قال النوويّ: هذا الحديث من أحاديث الصفات، ويستحيل إرادة ظاهره - أي: لأنه يقتضي قطع المسافات، وتداني الأجسام، وذلك في حقه تعالى محال - ومعناه: من تقرب إليّ بطاعتي، تقربت إليه برحمتي، والتوفيق، والإعانة، وإن زاد زدت، فإن أتاني يمشي، وأسرع في طاعتي، أتيته هرولة؛ أي: صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أُحْوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد: أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقرّبه. انتهى، وكذا فسّره سائر الشرّاح.

ثم قال صاحب "المرعاة": قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل، والتفسير، والصواب أن يُحْمَل هذا الحديث كأمثاله على ظاهره، فنؤمن به على ما يليق بعظمة الله تعالى، كالمجيء، والنزول، ونحوهما، وربنا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد صاحب "المرعاة"، وأفاد، فهكذا ينبغي لشارح الحديث أن يكون مع ظواهر النصوص، إلا إذا وجد دليلًا صارفًا يصرفه عنها، ولا يوجد صارف في إجراء أحاديث الصفات على ظواهرها، إلا ما تخيّله المتأخرون الذين تأثّروا بأفكار أهل الكلام، ففسَّروها بالمعنى الذي يكون للمخلوق، ثم فرّوا من التشبيه، فأداهم ذلك إلى نفي معانيها، وهذا هو الخطأ المُبِين، فإن هذه الصفات إذا اتّصف بها الله - عَزَّ وَجَلَّ - تكون على المعنى اللائق به، فلا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، اللَّهُمَّ اهدنا فيمن هديت، اللَّهُمَّ أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، آمين.

(وَمَنْ لَقِيَنِي) بكسر القاف، (بِقُرَابِ الأَرْضِ) بضم القاف على المشهور، وهو ما يقارب مِلأها، وحُكِي كسر القاف، نفله القاضي عياض وغيره، وقال ابن الأثير: أي: بما يقارب ملأها، وهو مصدر قارب يقارب (٢).

وقوله: (خَطِيئَةً) منصوب على التمييز، وقوله: (لَا يُشْرِكُ بِي) حال من فاعل "لقيني" العائد إلى "من"، (شَيْئًا) مفعول مطلق، أو مفعول به، (لَقِيتُهُ


(١) "مرعاة المفاتيح" ٧/ ٧٧٤.
(٢) "النهاية في غريب الأثر" ٤/ ٣٤.