الآخرة؛ لأن عذاب الآخرة أشدّ وأبقى، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سُبْحَانَ اللهِ) تنزيه لله تعالى عن الظلم، وعن العجز، أو تعجُّبٌ من الداعي في هذا المطلب، وهو أقرب. (لَا تُطِيقُهُ - أَو لَا تَسْتَطِيعُهُ) هكذا نُسخ "صحيح مسلم" بـ "أو" وهي للشكّ من الراوي، ووقع في "المشكاة": "ولا تستطيعه" بالواو، وعليها جرى الشرّاح، فقال القاري: "لا تطيقه"؛ أي: في الدنيا، "ولا تستطيعه" في العقبى، أو كُرِّر للتأكيد، وقال الطيبيّ: قوله: "لا تطيقه" بعدما صار الرجل كالفرخ، وبعد قوله: "كنت أقول" لحكاية الحال الماضية المستمرّة إلى الحال والاستقبال. انتهى.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لا تطيقه"؛ يعني: أن عذاب الآخرة لا يطيقه أحد، لا في الدنيا؛ لأنَّ نشأة الدنيا ضعيفة، لا تَحْتَمِل العذاب الشديدَ، والألم العظيم، بل إذا عَظُم عليه ذلك هلك ومات، فأمَّا نشأة الآخرة فهي للبقاء، إما في نعيم، أو في عذاب؛ إذ لا موت، كما قال في حقّ الكفار:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}[النساء: ٥٦]، - فنسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة - ثم إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أرشده إلى أحسن ما يقال، فقال:(أفَلَا قُلْتَ) بدل ما قلت: (اللَّهُمَّ آتِنَا)؛ أي: أعطنا (فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً)؛ أي: عافية من البلاء والأمراض، (وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً)؛ أي: معافاة من العذاب والعقاب، (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ") وكان هذا الدعاء أكثر ما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يدعو به، كما سيأتي من حديث أنس - رضي الله عنه -، وذلك لأنَّه من الدعوات الجوامع التي تتضمّن خير الدنيا والآخرة، وذلك أن "حسنة" نكرة في سياق الطلب، فكانت عامّة، فكأنه يقول: أعطني كل حالة حسنة في الدنيا والآخرة، وقد اختلفت أقوال المفسرين في الآية اختلافًا يدلّ على عدم التوقيف، وعلى قلة التأمّل لموضع الكلمات، فقيل: الحسنة في الدنيا هي: العلم والعبادة، وفي الآخرة: الجنة، وقيل: العافية والعاقبة، وقيل: المال وحسن المآل، وقيل: المرأة الصالحة، والحور العين، والصحيح: الحَمْل على العموم، قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
(قَالَ) أنس - رضي الله عنه -: (فَدَعَا) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (اللهَ) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (لَهُ)؛ أي: لذلك الرجل