للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَدْعُو بِهَا)؛ أي: بالدعوة (النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) وقوله: (أَكثَرَ؟) منصوب على الحال، أو نَعْت للمصدر؛ أي: دعاء أكثر. (قَالَ) أنس - رضي الله عنه - جوابًا للسؤال: (كَانَ كثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو (النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (بِهَا) أكثر، وقوله: (يَقُولُ) بتقدير "أن" المصدريّة؛ أي: أن يقول، وحَذْفها مع رَفْع الفعل قياس على الصحيح؛ وليس شاذًّا؛ لوقوعه في القرآن، في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: ٢٤]، وإنما الشاذّ، حَذْفها مع نَصْب الفعل، كما قال ابن مالك - رَحِمَهُ اللهُ - في "الخلاصة":

وَشَذَّ حَذْفُ "أَنْ" وَنَصْبٌ فِي سِوَى … مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى

والمصدر المؤّول خبر "كان".

"اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً)؛ يعني: الصحة، والكفاف، والعفاف، والتوفيق للخير، (وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً)؛ يعني: الثواب، والرحمة، (وَقِنَا) بالعفو والمغفرة، (عَذَابَ النَّارِ") الذي استحققناه بسوء أعمالنا (١)، وسيأتي بيان اختلاف العلماء في تفسير الحسنة في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.

(قَالَ) عبد العزيز: (وَكَانَ أَنَسٌ) - رضي الله عنه - (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ)؛ أي: واحدة، فالتاء للمرّة، (دَعَا بِهَا)؛ أي: بهذه الدعوة، وهي: "اللَّهُمَّ آتنا … إلخ"، (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَا)؛ أي: كثير، (دَعَا بِهَا)؛ أي: الدعوة المذكورة (فِيهِ)؛ أي: في جملة الدعاء الكثير.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي نعيم، حدّثنا عبد السلام أبو طالوت: كنت عند أنس، فقال له ثابت: إن إخوانك يسألونك أن تدعو لهم، فقال: "اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار - فذكر القصّة، وفيها -: إذا آتاكم الله ذلك، فقد آتاكم الخير كله".

وأخرج ابن حبّان في "صحيحه" من حماد بن سلمة، عن ثابت أنهم قالوا لأنس بن مالك: ادع الله لنا، فقال: "اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"، قالوا: زدنا، فأعادها، قالوا: زدنا، فأعادها، فقالوا: زدنا، فقال: "ما تريدون؟ سألت لكم خير الدنيا والآخرة. . ." الحديث (٢).

قال القاضي عياض: إنما كان يُكثر الدعاء بهذه الآية؛ لِجَمْعها معاني


(١) "فيض القدير" ٢/ ١٥١.
(٢) "صحيح ابن حبان" ٣/ ٢١٨.