للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد رُوي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت قومًا كانت لهم عيوب، فكَفُّوا عن عيوب الناس، فنُسيت عيوبهم، أو كما قال.

وشاهِدُ هذا الحديث: حديث أبي برزة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم، تتبَّع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته" (١)، خرّجه الإمام أحمد، وأبو داود، وخرّج الترمذيّ معناه من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

(واعلم): أن الناس على ضربين:

أحدهما: من كان مستورًا لا يُعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة، أو زلة، فإنه لا يجوز هتكها، ولا كشفها، ولا التحدث بها؛ لأن ذلك غِيبة محرّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: ١٩]، والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن فيما وقع منه، واتُّهِم به، وهو بريء منه، كما في قضية الإفك.

قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأَولى الأمور سَتر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبًا نادمًا، وأقرّ بحدّ، ولم يُفَسِّره لم يُستفسَر، بل يؤمر بأن يرجع، ويستر نفسه، كما أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا، والغامدية، وكما لم يستفسر الذي قال: أصبت حدًّا، فأقمه عليّ، ومثل هذا لو أُخذ بجريمته، ولم يبلغ الإمام، فإنه يُشفع له، لا يبلغ الإمام، وفي مثله جاء في الحديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم"، خرّجه أبو داود، والنسائيّ، من حديث عائشة - رضي الله عنها - (٢).

والثاني: من كان مشتهرًا بالمعاصي، مُعلنًا بها، ولا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، هذا هو الفاجر المعلن، وليس له غِيبة، كما نصّ على


(١) صحيح بشواهده.
(٢) صححه ابن حبّان.