"الصحيحين" عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يَبق عالمٌ اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا".
وذكر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا رَفْع العلم، فقيل له: كيف يذهب العلم، وقد قرأنا القرآن، وأقرأناه نساءنا، وأبناءنا؟ فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذه التوراة، والإنجيل، عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم؟ "، فسئل عبادة بن الصامت عن هذا الحديث، فقال: لو شئت لأخبرتك بأول علم يُرفع من الناس: الخشوع، وإنما قال عبادة هذا؛ لأن العلم قسمان:
أحدهما: ما كان ثمرته في قلب الإنسان، وهو العلم باللَّه تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، المقتضية لخشيته، ومهابته، وإجلاله، والخضوع له، ومحبته، ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، ونحو ذلك، فهذا هو العلم النافع، كما قال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: إن أقوامًا يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب، فَرَسَخ فيه نفع.
وقال الحسن: العلم علمان: علم على اللسان، فذاك حجة اللَّه على ابن آدم، كما في الحديث:"القرآن حجة لك، أو عليك"، وعِلم في القلب، فذاك العلم النافع.
والقسم الثاني: العلم الذي على اللسان، وهو حجة لك، أو عليك، فأول ما يُرفع من العلم: العلم النافع، وهو الباطن الذي يخالط القلوب، ويُصلحها، ويبقَى عِلم اللسان حجة، فيتهاون الناس به، ولا يعملون بمقتضاه، لا حَمَلَته، ولا غيرهم، ثم يذهب هذا العلم بذهاب حملته، فلا يبقَى إلا القرآن في المصاحف، وليس ثَمّ من يعلم معانيه، ولا حدوده، ولا أحكامه، ثم يُسرَى به في آخر الزمان، فلا يبقَى في المصاحف، ولا في القلوب منه شيء بالكلية، وبعد ذلك تقوم الساعة، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس"، وقال:"لا تقوم الساعة، وفي الأرض أحد يقول: اللَّه اللَّه".
(المسألة العاشرة): قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما جلس قوم في بيت من بيوت اللَّه، يتلون كتاب اللَّه، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده".