وقال بعض السلف: هل من طالب علم، فيعان عليه؟ وقد يراد أيضًا: أن الله ييسر لطالب العلم إذا قصد بطلبه وجه الله تعالى الانتفاع به، والعمل بمقتضاه، فيكون سببًا لهدايته، ولدخول الجنة بذلك، وقد يُيسّر الله لطالب العلم علومًا أخرى ينتفع بها، وتكون موصلة إلى الجنة، كما قيل: من عَمِل بما عَلِم أورثه الله علم ما لم يعلم، وكما قيل: إن من ثواب الحسنة الحسنةَ بعدها، وقد دلّ على ذلك قوله تعالى:{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}[مريم: ٧٦،]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)} [محمد: ١٧]، وقد يدخل في ذلك أيضًا تسهيل طريق الجنة الحسنى يوم القيامة، وهو الصراط، وما قبله، وما بعده من الأهوال، فييسر ذلك على طالب العلم؛ للانتفاع به، فان العلم يدلّ على الله من أقرب الطرُق إليه، فمن سلك طريقه، ولم يُعَرِّج عنه، وصل إلى الله تعالى، وإلى الجنة من أقرب الطرق، وأسهلها، فسَهُلَت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها في الدنيا والآخرة، فلا طريق إلى معرفة الله، وإلى الوصول إلى رضوانه، والفوز بقربه، ومجاورته في الآخرة، إلا بالعلم النافع، الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهتدَى في ظلمات الجهل، والشُّبَه، والشكوك، ولهذا سَمَّى الله كتابه نورًا يُهتَدى به في الظلمات، وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)} [المائدة: ١٥، ١٦].
ومَثَّل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حملة العلم الذي جاء به بالنجوم التي يُهتدَى بها في الظلمات، ففي "المسند" عن أنس - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدَى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضلّ الهداة"(١).
وما دام العلم باقيًا في الأرض، فالناس في هُدًى، وبقاء العلم ببقاء حَمَلَته، فإذا ذهب حملته، ومن يقوم به، وقع الناس في الضلال، كما في