منهم أن يغسل رأسه أو ثوبه، قال: هذا من شَرْطي، فيفعله، فمات، فجرَّدوه للغُسل، فرأوا على يده مكتوبًا: من أهل الجنة، فنظروا، فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم.
وفي "الصحيحين" عن أنس قال: كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فمنا الصائم، ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلًا في يوم حارّ، أكثرُنا ظلًّا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده. قال: فسقط الصُّوّام، وقام المفطرون، وضربوا الأبنية، وسَقَوا الركاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر".
ويروى عن رجل من أسلم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أُتي بطعام في بعض أسفاره، فأكل منه، وأكل أصحابه، وقبض الأسلميّ يده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لك؟ " فقال: إني صائم، قال:"فما حملك على ذلك؟ "، قال: كان معي ابناي يرحّلان لي، ويخدماني، فقال:"ما زال لهم الفضل عليك بعدُ".
وفي مراسيل أبي داود عن أبي قلابة؛ أن ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدِموا يُثنون على صاحب لهم خيرًا، قالوا: ما رأينا مثل فلان قط، ما كان في مسير إلا وكان في قراءة، ولا نزلنا منزلًا إلا كان في صلاة، قال:"فمن كان يكفيه ضيعته - حتى ذَكَر - من كان يَعلف جمله، أو دابته؟ " قالوا: نحن، قال:"فكلكم خير منه".
(المسألة التاسعة): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن سلك طريقًا، يلتمس فيه علمًا، سهل الله له طريقًا إلى الجنة". وقد رَوَى هذا المعنى أيضًا أبو الدرداء - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
وسلوكُ الطريق لالتماس العلم يَدخل فيه سلوك الطريق الحقيقيّ، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء، ويدخل فيه سلوك الطرق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم، مثل حِفظه، ومدارسته، ومذاكرته، ومطالعته، وكتابته، والتفهم له، ونحو ذلك، من الطرق المعنوية التي يُتوصل بها إلى العلم.
وقوله:"سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة": قد يراد بذلك: أن الله يسهّل له العلم الذي طلبه، وسَلَك طريقه، وييسره عليه، فإن العلم طريق يوصل إلى الجنة، وهذا كقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ١٧]،