للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ) بغين معجمة، من الغين، وهو الغطاء، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الغَيْنُ: لغة في الغيم، وغِينَتِ السماءُ بالبناء للمفعول: غُظيت بِالْغَيْن، وفي الحديث: "وَإِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي": كناية عن الاشتغال عن المراقبة بالمصالح الدنيوية، فإنها وإن كانت مهمّة في مقابلة الأمور الأخروية؛ كاللهو عند أهل المراقبة. انتهى (١).

وقال المرتضى -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وغِين على قلبه غَينًا: تغشّته الشهوة، أو غُطِّيَ عليه، وأُلبِس، أو غُشي عليه، أو أحاط به الرينُ، وفي الحديث: "إنه ليُغان على قلبي. . . أراد: ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو عنه البشر؛ لأن قلبه أبدًا كان مشغولًا باللَّه تعالى، فإن عَرَض له وقتًا مَّا عارضٌ بشريٌّ يَشغَله من أمور الأمة والملة، ومصالحها، عَدَّ ذلك ذنبًا وتقصيرًا، فيَفْزَعُ إلى الاستغفار. انتهى (٢).

وقوله: (عَلَى قَلْبِي) في محلّ رفع على أنه نائب الفاعل لـ "يغان أي: ليُغشَى على قلبي.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "إنه ليغان": اسم "إنّ" ضمير الشأن، والجملة بعده خبر له، ومفسرة، والفعل مسنَد إلى الظرف، ومحله الرفع على أنه نائب الفاعل، "وإني لأستغفر اللَّه أي: أطلب منه المغفرة؛ أي: السّتر، "في اليوم" الواحد من الأيام، ولم يُرِد يومًا معينًا، "مائة مرة". انتهى (٣).

(وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ)؛ أي: أطلب منه الستر، وفي حديث أبي هريرة عند البخاريّ: "واللَّه إني لأستغفر اللَّه، وأتوب إليه"، قال في "الفتح": قوله: "واللَّه إني لأستغفر اللَّه": فيه القَسَم على الشيء تأكيدًا له، وإن لم يكن عند السامع فيه شك، قوله: "لأستغفر اللَّه، وأتوب إليه" ظاهره أنه يطلب المغفرة، ويعزم على التوبة، ويَحْتَمِل أن يكون المراد: يقول هذا اللفظ بعينه، ويرجّح الثاني ما أخرجه النسائيّ بسند جيد، من طريق مجاهد، عن ابن عمر؛ أنه سمع النبىّ -صلى اللَّه عليه وسلم -


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٦٠.
(٢) "تاج العروس" ص ٨١٢٨، و"النهاية في غريب الأثر" ٣/ ٧٥٩.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ببعض تصرّف ٦/ ١٨٣٥.