للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقول: "أستغفر اللَّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه" في المجلس قبل أن يقوم مائة مرة، وله من رواية محمد بن سُوقة، عن نافع، عن ابن عمر بلفظ: "إنا كنا لنَعُدّ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المجلس: رب اغفر لي، وتب عليّ، إنك أنت التواب الغفور، مائة مرة" (١).

(فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ") وفي حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "لأستغفر اللَّه، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة"، وفي حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "إني لأستغفر اللَّه في اليوم سبعين مرةً قال الحافظ: فيَحْتَمِل أن يريد المبالغة، ويَحْتَمِل أن يريد العدد بعينه، وقوله: "أكثر" مبهم، فيَحتمل أن يفسَّر بأنه يبلغ المائة. انتهى (٢).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أراد بالمائة: التكثير، فلا تعارض بينه وبين رواية السبعين.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال أهل اللغة: الغين بِالْغين المعجمة، والغيم بمعنى، والمراد هنا: ما يتغشى القلب.

قال القاضي: قيل: المراد: الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فَتَر عنه، أو غفل عَدّ ذلك ذنبًا، واستغفر منه.

قال: وقيل: هو همّه بسبب أمته، وما اطَّلَع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر لهم.

وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته، وأمورهم، ومحاربة العدوّ، ومداراته، وتأليف المؤلَّفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه، فيراه ذنبًا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، من حضوره مع اللَّه تعالى، ومشاهدته، ومراقبته، وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك.

وقيل: يَحْتَمِل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه؛ لقوله تعالى: {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ١٨]، ويكون استغفاره إظهارًا للعبودية والافتقار، وملازمةً الخشوع، وشكرًا لِمَا أولاه.


(١) "الفتح" ١٤/ ٢٨٥ - ٢٨٦.
(٢) "الفتح" ١٤/ ٢٨٥ - ٢٨٦.