(المسألة الأولى): حديث الأغرّ المزنيّ -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
[تنبيه]: قال الإمام الدراقطنيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "التتبّع": أخرج مسلم حديث الأغرّ من حديث عمرو بن مرّة، وثابت، عن أبي بُردة، وهما صحيحان، وإن كان أبو إسحاق قال: عن أبي بردة، عن أبيه، وتابعه مغيرة بن أبي الحرّ، عن سعيد، عن أبي بردة، فأبو إسحاق ربّما دلّس، ومغيرة بن أبي الحرّ شيخ، وثابت، وعمرو مرّة حافظان، وقد تابعهما رجلان آخران: زياد بن المنذر، وابن إسحاق، ومغيرة بن أبي الحرّ، وأبو إسحاق سلكا به الطريق السهل. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: خلاصة ما أشار إليه الدارقطنيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذا الكلام بيان ما وقع في هذا الحديث من اختلاف الرواة، وبيان ترجيح ما ذهب إليه مسلم في تخريجه من طريق ثابت البنانيّ في هذه الرواية، ومن طريق عمرو بن مرّة في الرواية التالية، فإنهما روياه عن أبي بُردة، عن الأغرّ المزنيّ، وخالفهما أبو إسحاق، ومغيرة بن المنذر، فروياه من رواية أبي بردة عن أبيه، فرجّح الدارقطنيّ رواية الأوَّلَين بأمور:
أحدها: تقدّم ثابت، وعمرو في الحفظ والإتقان على أبي إسحاق، ومغيرة.
والثاني: أن أبا إسحاق مدلّس، فربما أخذه عن ضعيف، فدلّسه، ومغيرة شيخ؛ أي: لا يصل إلى درجة الحافظ الضابط.
والثالث: أن الأوَّلَين قد تابعهما زياد بن المنذر، وابن إسحاق.
والرابع: أن أبا إسحاق، ومغيرة سلكا بالحديث مسلك الجادّة، وذلك أن رواية أبي بردة عن أبيه طريق مشهور يحفظه كل أحد، بخلاف روايته عن الأغرّ المزنيّ، فليست مشهورة، فلا يحفظها إلا الضابط المتقن، مثل ثابت، وعمرو.
والحاصل: أن الحديث صحيح من الوجه الذي أخرجه منه مسلم، فلا التفات إلى المخالفة المذكورة، واللَّه تعالى أعلم.