قال: ومنها قول ابن بطال: الأنبياء عليهم السلام أشدّ الناس اجتهادًا في العبادة لِمَا أعطاهم اللَّه تعالى من المعرفة، فهم دائبون في شكره، معترفون له بالتقصير. انتهى، ومُحَصّل جوابه: أن الاستغفار من التقصير في أداء الحقّ الذي يجب للَّه تعالى، ويَحْتَمِل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل، أو شرب، أو جماع، أو نوم، أو راحة، أو لمخاطبة الناس، والنظر في مصالحهم، ومحاربة عدوهم تارة، ومداراته أخرى، وتأليف المؤلفة، وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر اللَّه، والتضرع إليه، ومشاهدته، ومراقبته، فيرى ذلك ذنبًا بالنسبة إلى المقام العليّ، وهو الحضور في حظيرة القدس.
ومنها: أن استغفاره تشريع لأمته، أو من ذنوب الأمة، فهو كالشفاعة لهم. إلى آخر ما ذكره في "الفتح".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: أحسن الأجوبة عندي: أن استغفار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من باب أداء الشكر؛ لأن اللَّه تعالى غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فإن هذا هو الذي أجاب به النبىّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا سئل عن قيامه حتى تفطّرت قدماه، كما سبق في حديث المغيرة، وعائشة -رضي اللَّه عنها-، فقال:"أفلا أكون عبدًا شكورًا"، فدلّ على أن استغفاره من باب القيام بالشكر على ما من اللَّه به عليه، وإكرامه له بما لم يُكرِم به غيره، ومنه مغفرة ما تقدّم منه وما تأخّر، واللَّه تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- أوّلَ الكتاب قال: