للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معناه: ارْفُقُوا بأنفسكم، وأخفِضُوا أصواتكم، فإن رَفْع الصوت إنما يفعله الإنسان لِبُعد من يخاطبه ليسمعه، وأنتم تدعون اللَّه تعالى، وليس هو بأصمّ، ولا غائبًا، بل هو سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة، ففيه الندب إلى خففى الصوت بالذكر، إذا لم تَدْعُ حاجة إلى رَفْعه، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره، وتعظيمه، فإن دعت حاجة إلى الرفع رَفَع كما جاءت به أحاديث.

وقوله: "والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم" هو بمعنى ما سبق، وحاصله أنه مجاز، كقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦] والمراد: تحقيق سماع الدعاء. انتهى (١).

(عَلَى أَنْفُسِكُمْ) متعلّق بـ[اربعوا]، وقوله: (إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ) بكسر همزة "إنّ"؛ لوقوعها في الابتداء، والجملة تعليل للأمر بالرفق.

وقال في "الفتح": قوله: "لا تدعون" كذا أَطلق على التكبير ونحوه دعاءً من جهة أنه بمعنى النداء؛ لكون الذاكر يريد إسماع مَنْ ذَكَره، والشهادة له. انتهى.

(أَصَمَّ) بل هو سميع عليم، (وَلَا غَائِبًا) بل هو قريبُ مجيب، (إِنَّكُمْ تَدْعُونَ) وفي بعض النسخ: "تدعونه"، فقوله: (سَمِيعًا قَرِيبًا) منصوب على المفعوليّة في الأُولى، وعلى الحال في الثانية. (وَهُوَ مَعَكُمْ") أينما كنتم، المراد: معيّة العلم، والقبول، والنصر. (قَالَ) أبو موسى (وَأَنَا خَلْفَهُ) جملة حالية؛ أي: والحال أنا خلف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذا قوله: (وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ) اسم أبي موسى الأشعريّ -رضي اللَّه عنه-، (ألَا) أداة استفتاح وتنبيه، (أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ ") معنى الكنز هنا: أنه ثواب مُدَّخَر في الجنة، وهو ثواب نفيسٌ، كما أن الكنز أنفس أموالكم، قاله النوويّ (٢).

وقال في "الفتح": سُمّيت هذه الكلمة كنزًا؛ لأنها كالكنز في نفاسته، وصيانته عن أعين الناس. انتهى (٣).

قال: والمراد: أنها من ذخائر الجنة، أو من محصّلات نفائس الجنة،


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٢٥ - ٢٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٧/ ٢٦.
(٣) "الفتح" ١٥/ ٢٢٣.