للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: دلّ التنكير على أن المطلوب غُفران عظيم، لا يُدرَك كُنْهُهُ، ووَصَفَهُ بكونه من عنده مُريدًا لذلك العِظَمِ؛ لأن الذي يكون من عند اللَّه تعالى لا يُحيط به وصف.

وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل وجهين:

أحدهما: الإشارة إلى التوحيد المذكور، كانه قال: لا يفعل هذا إلا أنت، فافعله لي أنت.

الثاني: -وهو أحسن- أنه إشارة إلى طلب مغفرة مُتفَضَّل بها، لا يقتضيها سبب من العبد، من عَمَل حَسَن، ولا غيره، فهي رحمة من عنده بهذا التفسير، ليس للعبد فيها سبب، وهذا تبرّؤٌ عن الأسباب، والإدلالِ بالأعمال، والاعتقادِ في كونها موجبة للثواب وجوبًا عقليًّا. انتهى.

قال في "الفتح": وبهذا الثاني جزم ابن الجوزيّ (١)، فقال: المعنى: هَبْ لي المغفرة تفضّلًا، وإن لم أكن لها أهلًا بعملي. انتهى (٢).

(وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ") هما صفتان ذُكرتا ختمًا للكلام على جهة المقابلة لِمَا قبله، فـ "الغفور" مقابل لقوله: "اغفر لي"، و"الرحيم" مقابل لقوله: "ارحمني"، وقد وقعت المقابلة ههنا للأول بالأول، والثاني بالثاني، وقد يقع على خلاف ذلك بأن يُراعَى القربُ، فيُجعَل الأول للأخير، وذلك على حسب اختلاف المقاصد، وطلب التفنن في الكلام، ومما يُحتاج إليه في علم التفسير مناسبة مقاطع الآي لِمَا قبلها، قاله ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، واللَّه تعالى أعلم.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي بكر الصدّيق -رضي اللَّه عنه- هذا مُتّفقٌ عليه.

[تنبيه]: قال الحميديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الجمع بين الصحيحين" (١/ ٨١): جعله بعض الرواة من مسند عبد اللَّه عمرو؛ لأنه قال فيه عنه: إن أبا بكر قال


(١) "كشف المشكل" ١/ ١٣.
(٢) "الفتح" ٣/ ٦٦، "كتاب الأذان" رقم (٨٣٤).