للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَنَسٍ) -رضي اللَّه عنه-؛ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَوَى)؛ أي: انضمّ، ودخل (إِلَى فِرَاشِهِ) قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "إذا أوى إلى فراشه"، و"أويتَ" مقصور، وأما "آوانا" فممدود، هذا هو الفصيح المشهور، وحُكي القصرُ فيهما، وحُكي المد فيهما. انتهى؛ أي: رَزَقنا مساكن، وهيأ لنا المأوى (١).

(قَالَ: "الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكفَانَا)؛ أي: دفع عنا شرّ المؤذيات، أو كفى مهماتنا، وقضى حاجاتنا، فهو تعميم بعد تخصيص. (وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ، وَلَا مُؤْوِيَ") بصيغة اسم الفاعل، و"له" مقدّر؛ أي: فكم شخص لا يكفيهم اللَّه شرّ الأشرار، بل تَرَكهم وشرَّهم، حتى غلب عليهم أعداؤهم، ولا يهيئ لهم مأوى، بل تركهم يهيمون في البوادي، ويتأذون بالحر والبرد.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فكم ممن لا كافي له، ولا مؤوي"؛ أي: كثير من الناس ممن أراد اللَّه إهلاكه، فلم يُطعمه، ولم يُسْقه، ولم يَكْسه، إما لأنه أعدم هذه الأمور في حقه، وإما لأنه لم يُقدره على الانتفاع بها حتى هلك، هذا ظاهره.

ويَحْتَمِل أن يكون معناه: فكم من أهل الجهل والكفر باللَّه تعالى لا يعرف أن له إلَهًا يُطعمه، ويسقيه، ويؤويه، ولا يقرّ بذلك، فصار الإله في حقه، وفي اعتقاده كأنه معدوم. انتهى (٢).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "فكم ممن لا كافي": قال المظهر: الكافي والمؤوي هو اللَّه تعالى، يكفي شرّ بعض الخلق عن بعض، ويُهيّئ لهم المأوى والمسكن، فالحمد للَّه الذي جعلنا منهم، فكم من خلقٍ لا يكفيهم اللَّه شرّ الأشرار، بل تَرَكهم وشَرّهم، وكم مِنْ خَلْق لم يجعل اللَّه لهم مأوى، بل تركهم يَهيمون في البوادي.

وتعقّبه الطيبيّ، فقال: "كم" تقتضي الكثرة، ولا يُرى ممن حاله هذا إلا قليلٌ نادرٌ، على أنه افتتح بقوله: "أطعمنا، وسقانا".


(١) "مرقاة المفاتيح" ٥/ ٢٩٧ - ٢٩٨.
(٢) "المفهم" ٧/ ٤٥.